مَدْرسَة حي نِمر الْـأسَاسِيَّة لِلْبَنِيْن / كُفْرَنْجه~عَجْلوْنْ
وماذا بعد ؟!؟
ما أن انبلج النّهار في صبيحة هذا اليوم ، كنت أستحضر نفسي المثقلة بهموم الحياة المتشعّبة ، استنفر قواي وأشحذ الجهد وأنا أشعر بكسلٍ متواصل ويتواصل مع مرور الأيّام ، غافلت كبريائي بلحظة ، وجنحت من أمام المرآة وخوف يعتريني ، وأنا أتوقّع بأنّ شحوباً ألقت بعتمتها ، حول الجفون ، وطيّات وترهّلات تموّجت على مساحت شاسعةٍ من وجه بان نحيفاً حدّ الرّعب ، ساورني الفكر بأنّه قد ينذر باقتراب الأجل المحتوم .
كلّ هذه الأفكار تساورني ، وقت التّحضير للقيام بالجولة التّفقّدية للأبناء ، وقد توزّعوا على ثلاث مدارس في كفرنجه ، مدرسة حي نمر الأساسيّة للبنين ، مدرسة حي نمر الثّانويّة للبنات ، مدرسة كفرنجة الثّانويّة للبنين ، وأبدأ بالحديث عن الأخيرة أوّلاً ، كونها مدرستي والعزيزة على قلبي ، وأشعر بالحنين الدّائم لرؤيتها ، واستنشاق عبق ذكرياتها الّتي لا ولن تنسى أبداً ، ومع الإختلاف الطّفيف بمبانيها الجديده ، لكنّها لا زالت فعلاً تحافظ على هيبتها بين أقرانها ، ولا زال الشّموخ يشعّ من كلّ حجرٍ في جدرانها ، كانت هي المحطّة الأخيرة ولكنّي آثرت التّحدّث عنها أوّلاً إحتراما وعرفانا لها .
أمّا المحطّة الثّانية: فكانت مدرسة حي نمر الثّانويّة للبنات ، وقد يوافقني الرّأي كلّ من زار المدارس ، بأنّ مدارس الإناث بشكلٍ عام ، هي الأكثر تنظيماً، والأجمل شكلاً ومضموناً ، كلّ ركنٍ فيها يبعث على الرّاحة النّفسيّة ، تتلآلآ نظافةً ، وتزدان أناقةً ، وتختال من على تلك الرّابية كإقحوانة تفتّحت مع شمس النّهار ، في ربيع نيسان ، وبالرّغم من اكتظاظ أروقتها بالكمّ الكبير من الطلاّب ، إلاّ أنّني شعرت بالهدوء يخيّم على لحظاتها ، والإستقرار يرتسم في جنباتها .
أمّا المحطّة الثّالثة في حديثي ، والتّي هي الأقرب لبيتي ، والأولى في زياراتي ، فهي عنوان موضوعي لهذا اليوم ، وهي بحق حصيلة ما لمسته على وجهي في المرآة في الصّباح ، أجزم كلّ الجزم بأنّني لا أبالغ ، بأنّها ليست مدرسة ، ولا تشبه المدرسة أيضاً ، بناء عشوائي “مجعلك” وأشباه غرف صغيرة اكتظّت بالطلاّب حتى وصلت وجوههم للسبّورة ، وهنا أستغرب فعلاً أين سيقف المعلّم ؟ وأين يجلس المشرف إن افترضنا بأنّ مشرفاً يزور الغرف الصّفّيّة ؟ أنا أتوقّع بأنّهم يقفون خارج الصّف ويطلّون برؤوسهم من الشّبّاك، كي يتسنّى لهم مشاهدة ما يدور في تلك الزّرائب !!!
كان المنظر محزنا ، مقلقاً ، محزنا ، مخيفاً ، مؤذيا ً وأتسائل ، هل يزور هذه المدرسة مشرفون ؟ أو هل يعلم وزير التّربيه عن هذه المدرسه ؟ أم هل يعلم مدير التّربية في عجلون ؟ إن كانوا يعلمون بالوضع فهي المصيبة فعلاً ، وإن كانوا لا يعلمون فالمصيبة أعظم ، وقفت شارداً استذكر منظراً بهذا الشّكل فلم أجد مشابهاً لهذه المدرسة إلاّ مزارع الدّجاج ، في أيّامها الأخيرة ، وقد كبر الدّجاج وامتلأت المزرعة بالكامل ، حينها يتداعى عليها التّجّار لإفراغها من محتواها ، كون الأمر لا يحتمل أكثر ، وإن تأخّر البيع ، فالنّتيجة حتماً الموت ، ولكن بالنّسبة للطلاّب وقد ملأوا المزرعة ، أقصد شبه المدرسة ، متى سيفرج عنهم ويتم إخراجهم قبل الإختناق ؟!؟
ما ببعث على الدّهشة والإستغراب ، وما دار في رأسي من تساؤلات مفجعة إلى حد التّخمة ، أستذكر عندما جلست على مقاعد الدّراسة في الصّفّ الأوّل الإبتدائي ، وكان البناء مستأجراً أيضاً ، في سنة 1973م كانت الغرف الصّفّية واسعة ، والبناء مريح ، مع أنّ ذلك كان قبل 44 سنه !!!!! أستحلفكم بالله كيف تراجع الوضع إلى هذا الحد المخزي والمحزن بعد قرابة نصف قرنٍ من الزّمان !!! من كان يتصوّر بأنّ يأخذ الفرصة في التّعليم أكثر من أبناءه ؟!؟
لا يفوتني أن أوجّه تحيّاتي وفائق إحترامي للكادر التّدريسي الّذي تأقلم على هذا الوضع المزري ، وقد لمست الجهود المضنية والبائسة في نفس الوقت لترميم العمليّة التّعليميّة المتأرجحة على ركائز الإهمال والتّردّي ، وأستذكر الفاروق رحمه الله عندما قال : لو عثرت بغلة بالعراق لسألني الله عنها ، وهو في المدينة المنورة ، يخاف على بغلة تعثر بالعراق ، ومسؤولين التّربية يقبعون على بعد بضع كيلو مترات عن مآسي يندى لها الجبين ، يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة السّاعة شيء عظيم “صدق الله العظيم
1 تعليق
عرين العنانزه
ابداع وتألق وحروف فخمه استمر????????