مكرم الطراونة
على مدى سنوات طويلة، حمل جلالة الملك دعوة واضحة وثابتة إزاء ما تشهده الأراضي الفلسطينية، وما يقوم به أكثر رئيس وزراء صهيوني متطرف في تاريخ دولة الاحتلال، فحذر جلالته من أن بديل السلام وحل الدولتين هي فوضى تعم المنطقة.
لم يستمع أحد إلى صوت العقل في تحذيرات الملك، وبدلا من ذلك طغى التضليل الصهيوني الممنهج على عواصم صنع القرارات العالمية، وأساقوا؛ ساسة وشعوبا لرواية الاحتلال الفاسدة.
في كلمته بقمة الرياض أمس، لم يكتف جلالته بالتأكيد على أن المنطقة ستصل إلى صدام كبير يدفع ثمنه الأبرياء وتطال نتائجه العالم إن لم تتوقف الحرب البشعة على غزة، بل ذهب إلى التأكيد، والتحذير من أن العالم، وليس المنطقة فقط، سيدفع ثمن عدم حل القضية الفلسطينية ومعالجة المشكلة من جذورها.
على وقع ما يحدث اليوم في المنطقة، يتوجب على العالم أن يستمع جيدا لهذا التحذير، فتأثيرات عدم إحقاق العدالة للفلسطينيين ستكون بمثابة الانفجار الضخم الذي سيهز العالم كله، ولن تنجو منه أي دولة.
لكن، لماذا على الجميع أن يعوا ويتفكروا في قول جلالته بأن العالم سيدفع الثمن، وليس المنطقة وحدها، وما هو هذا الثمن.
هناك زوايا عديدة يتوجب على الدول الغربية النظر إليها بتمعن، فقادة العالم الذين يديرون دولا طالما تغنت بالعدالة والمساواة والديمقراطية والحرية، يخسرون اليوم الرأي العام في بلادهم، حيث بات استمرار وجود حكومة إسرائيلية متطرفة نقمة عليهم، حيث سيضطرون في لحظة ما إلى تغليب لغة العقل لإعادة كسب ود الشارع الغربي، لأسباب اقتصادية وسياسية، والأجدى أن يكون ذلك في أسرع وقت لوقف نزيف انحدار الشعبية، وبالتالي تفجر الشوارع هناك، والتي قد تؤدي إلى صدامات وفوضى، ما يعني تهديدا مباشرا لاستقرار تلك الدول.
أضف إلى ذلك، فإن المنطقة العربية تغلي شعبيا، ما يعني مزيدا من الضغط على القادة العرب، والذين قد يجبرون في لحظة ما لاتخاذ قرارات لها عواقب وخيمة على المنطقة والعالم، وهو الأمر الذي يوسع دائرة عدم الاستقرار ويهدد مصالح الغرب.
كما أن استمرار الحرب سيؤدي حتما إلى انخراط أطراف أخرى فيها، وبالتالي تحولها إلى حرب إقليمية لا يمكن لنا التكهن بمآلاتها، وهو ثمن باهظ سيدفعه العالم أجمع، وقد مررنا بالحرب الأوكرانية الروسية ورأينا تأثيراتها على أوروبا على سبيل المثال، إضافة إلى تداعياتها على العالم أجمع.
إلى جانب ذلك، فإن الاستمرار بغض الطرف عما يقوم به الاحتلال الصهيوني من جرائم، سيصيب اقتصادات العالم بضرر بالغ، وهناك اقتصادات صغيرة الحجم لن يكون في مقدورها تحمل هذا الضرر، خصوصا أنها ما تزال تعاني كثيرا من نتائج الحرب الأوكرانية الروسية، فما الذي سيحدث إذا ما استمرت هذه الحرب بالتزامن مع توسع رقعة الفوضى بالمنطقة!
تحذير جلالة الملك من أن بديل السلام فوضى في المنطقة قد تحقق، ونراه أمام أعيننا اليوم، فهل ينتظر العالم نتائج تحذير جلالة الملك من أن ثمن فشل حل القضية الفلسطينية ليتحقق هو أيضا سيكون فوضى عالمية. التجارب تثبت أن غرور دول العالم سيتواصل دون اكتراث، ولن تصحو على نفسها إلا وهي غارقة في تلك الفوضى، وعندها لن تكون هناك خيارات كثيرة متاحة لإعادة الاستقرار.