د. صلاح العبّادي
من التحذير السياسي إلى التهديد الميداني، يرفع حزب الله سقف خطابه في وجه الحكومة اللبنانيّة والولايات المتحدة معًا.
الأمين العام للحزب نعيم قاسم يلوّح بخوض معركةٍ، محذرًا من تجريدهُ من سلاحه يؤدي إلى حربٍ أهليّة.
ويقول إنّ الاحتجاجات المؤجّلة ضدّ تسليم سلاحه قد تعودُ بزخمٍ أكبر، وقد تمتدُّ إلى أبواب السفارة الأميركية في بيروت.
بعبارات واضحة يقول لا تنازل عن السلاح والحكومة تتحمل مسؤولية أي إنهيارٍ داخلي أو إنفجار في الشارع.
فهل يلوّح حزب الله بسبعة أيارٍ جديد؟.
موقفٌ حاد يحملُ نبرة التهديد، مرّةً جديدة يعلن حزب الله – ذراع إيران في المنطقة- على لسان أمينه العام نعيم قاسم في كلمةٍ متلفزة بمناسبة إحياء “أربعينية الإمام الحسين” بمدينة بعلبك بأنّ السلاحَ لن يسلّم..
قاسم هدّد الحكومة اللبنانيّة بحرب أهليّة في حال نزع سلاح الحزب بالقوّة.
وقال: “ لن تكون هناك “حياة” في لبنان إذا حاولت الحكومة مواجهة حزب الله”، مضيفًا: “ نرفض تسليم السلاح، وقرار الحكومة اللبنانيّة تجريدنا من السلاح قد يؤدي إلى “حرب أهليّة“.
الفارقُ أنّ الشارعَ بالنسبةِ لحزب الله بات سلاحًا وخيارًا في مواجهةِ قرار الحكومة التي حمّلها قاسم مسؤولية أي إنفجارٍ داخلي.
يبدو أنّ المواجهةُ مسألة وقتٍ؛ فقاسم الذي أعلن بأنّ حزب الله وحركة أمل أجّلوا فكرة التظاهرات في الشارع، أكّد أنّ قرار نزع السلاح لن يمرّ دون أي أثمان، أثمان يدرك الحزبُ أنّه لا يريدُ دفعها الآن، وأنّ أي مواجهة مع أي فريق آخر أو مواجهة مع الجيش اللبناني سيكون هو الخاسر الأكبرُ فيها.
لهجةٌ تحذيريةٌ تصعيديّةٌ هي الأعلى منذُ وقف إطلاق النار بين الحزب وإسرائيل في العام 2024 فاستدعاء الشارع كأداة للمواجهة وضعَ على الطاولة ولو استخدامهُ بعد حين!.
رسائلُ حزب الله للحكومة تقول إنّ السيناريوهات صعبة سترسم المشهد اللبناني المقبل، إمّا استقرار أو إنفجارٌ داخلي؟!
رئيس الحكومة اللبنانيّة نواف سلام انتقد -الجمعة- بشدّة ما ورد في خطاب الأمين العام لحزب الله الذي أعلن فيه رفض تسليم السلاح، والاستعداد لخوض ما سماها “معركة كربلائية إذا لزم الأمر“.
واعتبر سلام -عبر حسابه على منصة إكس- أنّ حديث قاسم يشكل “تهديدًا مبطنًا بالحرب الأهليّة وهذا مرفوض تمامًا” مشيرًا إلى أنّه “لا أحد في لبنان اليوم يريد الحرب الأهلية، والتهديد والتلويح بها مرفوض تمامًا“.
وأضاف أن “الحديث عن أن الحكومة تنفذ مشروعًا أميركيًا إسرائيليًا هو حديث مردود. قراراتنا لبنانيّة، تصنع في مجلس وزرائنا ولا أحد يمليها علينا“.
كما اعتبر سلام أيضًا في تصريحات صحفيّة له بأنّ تصريحات قاسم تحملُ تهديدًا مبطنًا بالحرب الأهليّة. وأكّد بأنّه لا يوجد أحد في لبنان يريد الحرب الأهليّة، والتهديد والتلويحُ بها مرفوضٌ تمامًا.
وأكّد بأنّ قرارات الحكومة اللبنانيّة تصنعُ في مجلس الوزراء ولا أحد يمليها عليه، وأشار إلى أنّ اتفاق الطائف ينص بشكلٍ صريح على بسط سلطة الدولة اللبنانيّة على كل أراضيها بقواها الذاتيّة.
كما أنّ وزير العدل اللبناني عادل نصّار هو الآخر وفي تصريحات صحفيّة له، أكّد بأنّ تصريحات حزب الله مغامرات إنتحاريّة يرفضها الجميع.
التهديد بالحرب الأهليّة جاء مباشرة بعد أن غادر أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني للبنان ، وكانت آخر لقاءاته مع نعيم قاسم في لبنان، هذا التهديد هو الأول للدولة اللبنانيّة بعد اجتياح حزب الله لبيروت عام الفين وثمانيه.
بحربٍ أهليّة وفتنة داخليّة هدد الأمين العام نعيم قاسم لبنان بل حكم قاسم على لبنان بالموت، قائلًا إنه لا حياة في لبنان في حال حاولت الحكومة نزع سلاح حزب الله.. المعركةُ ضدّ اللبنانيين للحفاظ على السلاح. حزب الله مستعد لها في التوقيت المناسب وفق قول قاسم!.
التهديدُ أيضًا طال الولايات المتحدة الأميريكية وإسرائيل، ولواشنطن وجّه رسالة مفادها بأنّ الاحتجاجات ستصلُ إلى سفارتها في بيروت.
وأمّا لإسرائيل فقال لها إن صواريخ الحزب ستصلُ إليها وإنّ أمنها سينهار خلال ساعات.
تهديد حزب الله بالفوضى في لبنان هو الأول من نوعه منذ السابع من أيار منذ عام ألفين وثمانيه، حين اجتاح الحزب بيروت ردًا على قرار الحكومة اللبنانيّة حينها باعتبار شبكة اتصالات الحزب غير شرعيّة.
اللافت بأنّ تهديدات قاسم بالحرب الأهليّة جاءت مباشرة بعد لقائه لاريجاني حيث ختم الموفد الإيراني زيارتهُ لبيروت بلقاء قاسم، وربما كانت أوضح رسالة من إيران للداخل اللبناني هي؛ التي شجع فيها لاريجاني مناصري الحزب على ما وصفه بالصمود والمثابرة من أجل البقاء.
لاريجاني زار بيروت بعد أيامٍ من تصريحات إيرانيّة رافضة لنزع سلاح حزب الله.
فما هي الرسائل الجديدة لإيران؟ وكيف سيكون الردّ اللبناني؟
السفارة الإيرانيّة في لبنان كانت قد قالت قُبيل الزيارة؛ بأنّ الزيارة تأتي في مرحلة مصيريّة للبنان، مشيرةً إلى أنّه سيعقد لقاءات صريحة مع مسؤولين لبنانيين يعبرُ فيها عن وجهة نظر إيران ورؤيتها.
فما هي رؤية إيران تجاه قرارات الحكومة بنزع سلاح حزب الله؟
وهل تعرقل تطبيق هذا القرار؟
قبيل زيارة لاريجاني لبيروت كان الرئيس اللبناني قد أكّد بأنّ القرار قد اتخذ للذهاب نحو الدولة وحدها، مشدداً على المضي في تنفيذ هذا المسار.
وبأي سرديّة يأتي المسؤول الإيراني للتدخل في شأن لبناني؟!
وسط أجواء مشحونة جاءت زيارة لاريجاني إلى بيروت، أجواءٌ عكستها تصريحات لافتة للرئيس اللبناني جوزيف عون، أكّد فيها عقب لقاء لاريجاني رفضه لأي تدخلات خارجيّة في شؤون لبنان الداخليّة.
فيما طالب لاريجاني اللبنانيين التفريق بين العدو وبين الصديق، مؤكّدًا بأنّ المقاومة رأسمالٍ مهم.
كما نفى وجود أي تدخلٍ إيراني في شؤون لبنان. وبينما تحاول إيران ترميم نفوذها المتصدع في المنطقة عبّر زيارة لاريجاني للبنان وقبلها العراق.
وعلى الجانب الآخر في إسرائيل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحاول تعبئة الشارع الإيراني ضدّ حكومته، مجددًا الدعوة للشارع للتظاهر ضدّ السلطات الإيرانيّة.
لبنان يرفضُ أي تدخلٍ خارجيٍ في شؤونه؛ إذ واجه لاريجاني رفضًا لبنانيًا رسميًا لتصريحات المسؤولين الإيرانيين بشأن سلاح الحزب، وقرار الحكومة اللبنانية بنـزعه وتمسكها بحصرية السلاح بيد الدولة.
فهل انتهى عصر التأثير الإيراني في المشهد السياسي اللبناني؟
في أول إطلالةٍ لها على المنطقة بعد الحرب تعيد طهران التأكيد على دعمها لأذرعها من العراق إلى لبنان، في وقت تتجه عدّة دول لحصر السلاح بيد الدولة.
لاريجاني كان قد قام بجولة شملت بغداد وبيروت، وحملت رسائل واضحة مفادها لا لحلّ الحشد الشعبي في العراق ودعم حلفائه في لبنان.
هذهِ الزيارة جاءت في محاولة لإحياء دور إيران بعد حرب الإثني عشرة يوماً مع إسرائيل.
الزيارة إلى لبنان بعد العراق جاءت بالتزامن مع تجريد حزب الله من سلاحه، وتأتي بمثابة تمسكِ إيران بنفوذها الإقليمي ورفضها لأي مسارٍ قدّ يقلص دور حلفائها.
الموقف يعمق الإنقسام الداخلي في لبنان، ويعقد أي محاولة لتقليص الفصائل في العراق.
فهل جولة لاريجاني رسائل تطمين للحلفاء أم تحذير للخصوم ؟
يبدو بأنّ التصريحات والتهديدات هي نتاج طبيعي لزيارة لاريجاني إلى بيروت ولقائه الأمين العام، وهي رسالة للتأكيد بأن حزب الله تحت سيطرته، وفي ذلك يقدّم هذه الورقة التي تريد أن تشعل لبنان؛ للتفاوض مع إيران ومن ثم إيران لتستخدمها للتفاوض مع الولايات المتحدة الأميريكية لتحقق مكتسبات على حساب الشعب اللبناني. وهي جاءت قبل أيام معدودة من وصول الموفد الأمريكي توم برّاك ومورغان أورتاغوس يوم غدٍ الاثنين، في زيارة يرتقب أن تكون مفصليّة على صعيد وضع الترتيبات النهائية لإلتزام لبنان بتنفيذ جمع السلاح وتوفير الضمانات أو الاجراءات التي يفترض أن تتخذ بالتوازي من جانب الجانب الاسرائيلي، وسط معلومات عن تبدل إيجابي في الموقف الأميركي من لبنان بعد قراري الحكومة، يُفترض أن يُترجم بتخفيف أو وقف الضغط السياسي والاقتصادي، وربما في صيغة التجديد لقوات اليونيفيل نهاية هذا الشهر في مجلس الأمن الدولي مرة أخيرة على الأقل هذه السنة، نتيجة وقف الإدارة الأميركية تمويل اليونيفيل ما يؤدي حكمًا إلى خفض عددها حتى الصفر، مع تردد وجود مشروع أميركي آخر بنشر قوة دولية متعددة الجنسيات في الجنوب يجري التدوال به.
وبالتالي لاريجاني هو أيضًا رفع صوت خطابه لضمان وصوله إلى دوائر صنع القرار في واشنطن؛ على أمل أن تجني إيران ثمارها وتَصعد على حساب لبنان.
حزب الله الذي كان قد شكّل حتى الأمس القريب، قوة سياسية وعسكرية هي الأكثر نفوذًاً في لبنان وحظي بدعم دمشق وطهران. لكنّ الوضع تغيّر عند تشكيل السلطة الحالية في بيروت على وقع تغير موازين القوى. فقد خرج الحزب ضعيفًا هزيلًا من حربه الأخيرة مع إسرائيل العام الماضي 2024 والتي استمرّت قرابة العام وقتل فيها عدد كبير من قادته، ودمّر جزء كبير من ترسانته العسكرية التي كان يتغنى بها تحت ذريعة مساندة القضية الفلسطينية.
كذلك تلقت طهران ضربة موجعة بعد الحرب مع إسرائيل في حزيران 2025، وقبل ذلك إثر سقوط حكم بشار الأسد في سوريا في أواخر العام الماضي 2024.
ونصّ وقف إطلاق النار على انسحاب حزب الله من المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني (على مسافة حوالى 30 كيلومترًا من الحدود مع إسرائيل في جنوب لبنان) وتفكيك بناه العسكرية فيها، مقابل تعزيز انتشار الجيش وقوة الأمم المتحدة لحفظ السلام (يونيفيل). كما نصّ على انسحاب القوات الإسرائيليّة من مناطق تقدمت إليها خلال الحرب، إلا أن إسرائيل ترفض إلى غاية اللحظة التراجع.
وبين قرار مجلس الوزراء اللبناني الصادر في الخامس من آب الجاري والمتضمن حصر السلاح بما فيه سلاح “حزب الله” بيد الدولة، وتكليف الجيش بوضع خطّة لإتمام ذلك خلال هذا الشهر وتنفيذها قبل نهاية العام الجاري 2025؛ وخطاب قاسم التصعيدي والمحرض يبقى السؤال:
هل تؤشر زيارة لاريجاني إلى العراق ولبنان محاولة إيرانيّة للعودة إلى المنطقة من البوابتين العراقيّة واللبنانيّة؟