
رمزي الغزوي
موجة غضب عاتية انتابت ابني (الصف السابع) بعد عودته من المدرسة أول أمس إذ بادرنا منفجراً كحبة بوشار: علينا أن ننام مرتاحين لأربع سنوات فقط، وسنفيق وقد انتهى الإحتلال الإسرائيلي وتحررت القدس. فلا مبرر للحروب أو المظاهرات أو الخطب الرنانة.
تدخلت أمه متسائلة عن تبدل حماسه لمقارعة محتل يكرهه كره العمى، فقال متهكما إن معلماً في مدرسته اعتلى صباح اليوم منبر الإذاعة المدرسية، وقرأ خاطرة عن قرار ترامب بخصوص القدس، وختم كلامه ببشرى أن أحد العلماء قد أعلن بعد تحليل وتفاسير أن الإحتلال زائل في 2022م. فلماذا نحرق دمنا ونقاتل أو نخرج بمسيرات حاشدة. فقط (خلونا) وستحل القضية.
عقب صلاة الجمعة الماضية فاجأنا هذا الولد بمحاولات استخدام قلم سواك من أغصان الزيتون: أنظر بابا من المستحيل أن تنجح هذه الأغصان كمسواك أبداً. إنها قاسية، ولا يمكن أن تكون كفرشاة، وطعمها قابض للفم.
الولد أراد أن يثبت أن كلام خطيب الجامع في غير مكانه. الخطبة كانت رائعة وحملت دلالات جيدة عن موضوع قرار ترامب؛ ولكن عين هذه المشاكس ما وقعت إلا على شيء واحد فقط.
الخطيب ذكر قصة فتح القدس على يد صلاح الدين الأيوبي، وأن الفتح تأخر حسب بعض الروايات، وحين فتش عن السبب وجد أن المقاتلين لا يستاكون (لا يستخدمون السواك)، ولأنه لا وجود لشجر الأراك في فلسطين، فقد أمرهم أن يتخذوا أغصان الزيتون مساويك لهم، فتم الفتح بعدها.
أرأيت بابا؟ الأمرلا يصدق وغير عملي. يعني كل القوات التي جهزها صلاح الدين لم تكن مؤثرة إلا بعد قصة السواك، التي لا يمكن أن تكون صحيحة عمليا كما ترى. وأضاف متهكما: يعني حسب رأي الشيخ لا ضرورة للخطط العسكرية وقوتها ما دمنا نستاك. بابا أنا أحب سنة نبينا عليه السلام، ولكن القصة لم ولن تدخل رأسي.
لجمني كلام الصبي في الواقعتين. لجمني وأخجلني حتى غص المرُّ في سقف حلقي. ياااااااه نحن نقتل جيلا كاملا بكلام نبذره أمامهم دون تمحص أو فحص أو تدقيق. نحن نجعلهم لا يتخذون الطريق الصحيحة لشق مسارب مستقبلهم، والتحضير لمواجهة عدو لا يعترف إلا بلغة العلم والأرقام.
ارحموا هذا الجيل أيها الكبار. ارحموهم وارحمونا. إنهم أذكى وأعقل مما نتصور.