د. رحيل محمد غرايبة
ربما يكون أول من استخدم هذا المصطلح في حلقات الخلاف السياسي العقدي هم الخوارج عندما خرجوا على علي بن ابي طالب رضي الله عنه، محتجين على حادثة التحكيم المشهورة في التاريخ الإسلامي في الصراع الدامي بين علي ومعاوية، وعند ذلك اعترض نفر من المسلمين الذين كانوا في جيش علي قائلين : لا يجوز تحكيم الرجال في دين الله، لأن الحاكمية لله اعتماداً على الآية القرآنية (إن الحكم الاّ لله) فرد عليهم علي رضي الله عنه بعبارته المشهورة: ( كلمة حق أريد بها باطل، لأن كتاب الله صامت لابد أن ينطق بها الرجال، وقولهم يعني لا امرة لله ).
ورد هذا المصطلح في القرأن في مواضع كثيرة، منها ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ )
وقوله تعالى( إن الحكم الاّ لله) برأي المفسرين والفقهاء والعلماء وما يدل عليه سياق النص، أن الله وحده المختص بإصدار الأحكام على أفعال العباد، فهو وحده الذي يحلل ويحرم وليس ذلك لأحد من الناس حتى لو كان نبيا، ولذلك عندما اراد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أن يحرم بعض الأطعمة على نفسه نهاه القرآن بحزم (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ).
فالاستناد إلى هذه الآية في اطلاق الحكم على مسألة إدارة الدولة وما يعرف في العصر الحاضر من اطلاق الحكومة على السلطة التنفيذية ليس هو المقصود بهذا المصطلح قطعياً لأن إدارة الدولة والقيام بسلطة تدبير أمور الرعية موكول إلى البشر فالسيادة لمبادىء الاسلام وقواعده واحكامه والسلطة للأمة .
وقد ورد هذا المصطلح عند أبي الأعلى المورودي في العصر الحاضر، ثم ورد في بعض كتب الشهيد سيد قطب رحمه الله، وتبعه شقيقه محمد قطب، ثم تبعهم خلق كثير من أبناء الحركات الإسلامية المعاصرة، واستخدموا لفظ الطواغيت بمعنى الذين اغتصبوا حكم الله ، وسطوا على حق الله في الحكم مما جعل كثيرا من الناس يذهبون إلى تكفير الحكام في اغلب دول العالم الاسلامي او كلها.
وعندما خرجت بعض الجماعات المتطرفة في السجون المصرية في ستنينيات القرن المنصرم مثل جماعة شكري مصطفى استندوا إلى أقوال سيد قطب في المعالم، ولكن سيد قطب استنكر ذلك ورأى أن كتابه حمل على حمار اعرج، حيث أن سيد كان يقصد مفهوم الحاكمية تعني الحاكمية العليا لله في تسيير هذا الكون ووضع سننه وتدبير شؤونه وأمره والتحليل والتحريم، لكن المسلمين هم الذين ينزلون أحكام الله على الأرض وفق ما لديهم من علم وفهم وقدرة على التطبيق .
ولذلك فإن مفهوم الآيات التي تقول( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) في عقيدة أهل السنة والجماعة مرده إلى اعتقاد القلب ،ويصبح معنى الاية : أن من يقضي في مسائل النزاع بين الناس بغير ما اراد الله معتقداً أن حكم الله باطل ولا يصلح للعصر فهو المقصود بالكفر، وإذا لم يكن مصحوباً بالاعتقاد فهو من باب المعصية التي تسمى ظلماً أو فسقا .
وبناء على ما سبق فإن المراجعة تقتضي أن لا يستخدم مصطلح الحاكمية لله بمعنى إدارة شؤون الدولة و استلام السلطة وانما بمعنى اختصاص الله في التحليل والتحريم تدبير شؤون الكون واحكام سننه والفصل يوم القيامة، أما إدارة سلطات الدولة فهو من اختيار الناس ومن افعال البشر نيابة عن الشعب وليس عن الله، ومن يملك السلطة ليس معصوماً وليس له قداسة ولا عصمة، وأنما يخطئ ويصيب ويقومه أهل الرأي والمشورة بالنصيحة والشورى.