سليم النجار
إنجاز_ مفردة “السؤال” وحدها تحيل إلى الحرية المطلقة في تقليب الأفكار على وجوهها، ربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها، كما أنَّها من أسس مواجهة المجازر وحرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزّة والضّفّة، من قِبَل الاحتلال الإسرائيلي٠
في هذا الملف نلتقي بعدد من الكُتّاب العرب الذين يُقدِّمون لنا رؤاهم حول ماذا يحدث في غزّة؟
وما يستدعي الدرس والتمحيص والنقاش والجدال والنقد، لأنّ الأشياء تحيا بالدرس وإعادة الفهم، وتموت بالحفظ والتلقين٠
سالم البادي من عُمان يكتب لنا من زاويته “ماذا يحدث غزة”؟
سلام يا غزة من مسقط سلام
سالم البادي (أبو معن)
سلامٌ يا غزّة المجد والشموخ سلام.. سلام من مسقط عاصمة السلام والسماحة والوئام..
سلام عليك وعلى من سكن أرضك.. سلام على أبنائك الأبطال ورجالك الشجعان..
يا غزّة الصمود العز والفخار، شموخك هيبة وكبرياء، وجهادك نصرا عزيزا مؤزرا..
يا غزة الإباء سلام عليك، سلام إليك، ومنك السلام يا من أحييت العزّة والمجد للمسلمين والأحرار، وانكسر القيد وتبعثرت الأصفاد وبانت الأحقاد، وولى زمن الاضطهاد.
إننا نعيش في زمن العجائب والمصائب، في زمن تباع فيه الضمائر، وترخص فيه النفوس، فانتشرت الكراهية والحقد والغل والحسد في قلوب الناس، وزادت الفتن ما ظهر منها وما بطن، انتشر القتل وسفك الدماء، وضاقت الدنيا بالبلاء والوباء والحروب والأزمات..
والله المستعان.
يا غزّة أصبح صوتك حديث شعوب العالم قاطبة بصمودك وثباتك وصبرك أمام قوى الشرّ والطغيان، والاستبداد والاحتلال.
” طوفان الأقصى” أظهر نفاق العالم حول “القضية الفلسطينية” وبالأدلة الدامغة التي أثبتوا فيها عنادهم وحقدهم وحسدهم وبغيهم وجورهم وطغيانهم واستبدادهم مما أثار ضجة كبيرة واستياء عالميا.
فالصمت العالمي المخزي حول الجرائم والإبادة المستمرة من آلة الحرب الصهيونية الغربية الأمريكية، والجحيم الذي يعيشه أهل قطاع غزة هو مشهد أكثر خطرًا وفتكًا ببني الإنسان في هذا العصر.
فإلى متى هذا الصمت أيّها العالم الذي تدّعي بأّنك متحضر وراع لحفظ حقوق الإنسان والحريات؟؟؟
بينما في غزّة كلّ ساعة تجمع أشلاء الشهداء من تحت الركام وتسحق آلة الحرب الصهيونية المباني والمساكن والأحياء على قاطنيها، بالرغم أن هؤلاء المضطهدين يموتون جوعًا وبردًا تحت حصار ظالم كل لحظة وكلّ ساعة أو قصفًا بمدافع وصواريخ مجنونة، وقنابل فسفورية وأسلحة محرمة دوليا، ومشاهد تقشعر لها الأبدان، وتهتز لها الأرض من هول الموقف والأحداث المرعبة وكل هذا وذاك يحدث أمام عدسات العالم التي تبثّ لحظة بلحظة أمام مرأى ومسمع العالم أجمع، دون أن يوجد أيّ صوت أو نجدة لهؤلاء المستغيثين المستضعفين المضطهدين في غزة.
من يحاسب من؟؟
من يعاقب من؟؟
فالشرطي هو نفسه المحقِّق والقاضي والجلاد وينفذ الإعدام!!!
فهل من رشيد؟؟
كم هي قاسية قلوب العالم يا غزّة؟
وكم يؤلمنا أن نرى الأمتين العربية والإسلامية بهذا الموقف الضعيف المخزي الذي لا يشرف أحدا أبدا، ما جعل العالم الآخر أكثر نصرة لغزّة وأكثر المواقف صرامة في وجه العدوان الغاشم لقطاع غزة المحاصرة برا وجوا وبحرا.
فالأمة العربية والإسلامية باتت كلمة فضفافة تكتب ولكنها ليس لها روح ولا كيان في صدور المسلمين، لا معنى لها سوى أنها مادة إعلامية تتداول في السياسة والمؤتمرات والاجتماعات والمقار الرسمية، وفي الاحتفالات والمناسبات الثقافية والاجتماعية.
فقلّ فيها العمل والعطاء وضاق فيها الولاء والانتماء، وغابت عنها النخوة والمروءة والشهامة والوفاء.
في المقابل نشاهد الإعلام العربي والمسلم تنتشر فيه الاحتفالات والمهرجانات والأفراح والأهازيج والمباريات الرياضية والثقافية، بينما قطاع غزّة المحاصر المدمّر الجائع العطشان المريض المصاب الجريح يعاني ويقاسي أشدّ أنواع القتل الممنهج…
أيّ قسوة قلوب تلك التي تملأ أوردتكم يا عالم؟
وأنتم تشاهدون أشلاء الأطفال متناثرة، وتشاهدون القصف والتدمير والحرق والإبادة المستمرة يوميا أمام أعينكم، وتحرصون على متابعة ومشاهدة القنوات الفضائية ولا تحركون ساكناً سوى عبارات التنديد والشجب.
وأنت يا غزّة فلك ربّ يعينك وينصرك فلا تنتظري ولا تستنجدي بسواه، واعتصمي بحبل الله واثبتي ورابطي برجالك ومجاهديك، ولك النصر عزيزا مؤيدا مؤازرا من الله.
يا نار كوني برداً وسلاماً على غزة
لقد وعد الله عز وجل عباده المؤمنين بالنصر والتمكين والغلبة في كل مكان وزمان، فالنصر آت لا محاله بإذن الله تعالى وسوف تتحرر فلسطين ويعود المسجد الأقصى الشريف إلى سيطرة المسلمين طال الزمان أو قصر.
والقتال مع اليهود لن تكون نهايته في غزّة بل هي معركة طويلة الأمد يقودها أشد الناس عداوة وضراوة ومعهم عملاؤهم وشركاؤهم.
فالعدو ما زال متربصا بالعرب والمسلمين ويعلم أن مصيره للزوال، وأنّ عمر كيانه يتناقص ساعة بساعة، وموعد نهايته اقترب، ولم ولن تفيده مؤامراته الدنيئة وأرصدته المالية وترسانته الإعلامية والسياسية والعسكرية، فصحوة المجاهدين نهضت واستفاقت، فبالصبر والثبات والإيمان والمقاومة تحطم المؤامرات وتفشل الخطط بإذن الله الواحد الأحد الفرد الصمد، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “لا تزال طائفة من أمّتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرّهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأْواء، وهم كالإناء بين الأكلة، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس” أخرجه الإمام أحمد.
يقينا إننا ندرك تماما أن العدو الصهيوني ومعه الكافرون المعادون للإسلام لا يستهدفون قطاع غزّة قط أو فلسطين وحدها، بل إنّ له خططه ومآربه وأطماعه وسياساته القذرة للضرب والاعتداء والاستيلاء على أراضٍ شاسعة من البلاد العربية لتكوين مملكته المزعومة بما تسمّى بـ “إسرائيل الكبرى” والتي تضمّ فلسطين، ومصر حتّى النيل، والعراق حتّى الفرات، والأردن، ولبنان، وسوريا والكويت، وأجزاء من شمال السعودية حتى خيبر.
ستظهر الأيام القادمة أكثر وأكثر من جرائم الصهاينة المعتدين المحتلين، وحقيقة صورتهم القبيحة جراء الفساد الذي هو خلق اتّصفوا به وملازم لهم عبر تاريخهم الأسود، قال تعالى: {كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها اللَّهُ ويسْعون في الأرض فسادا واللَّهُ لا يحبّ المفسدين} (المائده٦٤).
سلام سلام يا غزة الصمود…
أبطالك المغاوير الذين ضربوا أروع الأمثلة في البسالة والثبات والرباط والكفاح والمقاومة، وكل يوم يثبتون للعالم أجمع قوة وعظمة وشدّ بأس شعب غزة الصامد الصابر المحتسب المجاهد المرابط الثابت على أرضه، يسحقون العدو سحقا، ويدكون ثغره دكّا، ويرمون جنوده رميا ويقصفون معداته بصواريخ الياسين قصفا، ويقنصون المرتزقة قنصا، ليرسلوا للأعداء رسالة مفادها أنّ غزّة “مقبرة الاعداء” وأنّ المقاومة هي شوكة في حلق الصهاينة المغتصبين المحتلين الآثمين السفّاحين السفّاكين.
سلاما يا غزّة… إنّ فصائل المقاومة الفلسطينية أثبتت أنّها قادرة على تحرير الوطن، وقد وجهت صفعه كبيرة على وجه العدوان الغاشم، وإلى كلّ من يفكر بالاعتداء على أرضها أو يستعمر أو يحتل شعبها.
سلامٌ عليك يا غزّة.. سلام عليك أيّها الشهيد يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيّا..
سلامٌ على أطفالك الشهداء..
سلامٌ على نسائك وشيوخك…
غزّة ستبقى شامخة شموخ الجبال وما بقيت أشجار الزيتون، نعلم يقينا أنّ الجراح ونزيف دمك ما يزال مستمرين ورجالك في ميادين القتال متعطشون للشهادة، لأنّهم لا يعرفون ولا يقبلون إلّا بالشهادة في سبيل الله والدفاع عن أرضهم وعرضهم وشعبهم وعزتهم وكرامتهم، فهم يقبلون على الموت ولا يبالون ولا يتردّدون ولا يدبرون، فتتعالى حناجرهم “اقتلونا فوالله إنَّكم تفرحونا بهذا القتل حيث هو لنا عادة وحيث إنَّا نفخر بأن نقتل شهداء بيد أقذر وأجرم خلق الله ديناً ودنيا، وإنَّا التوّاقون إليها كما تاق لها من قال فزت وربّ الكعبة، وإنَّا التوّاقون العاشقون الساعون إليها كما سعى إليها من قبلنا.
فهنيئا لكم يا أبناء غزة
غزّة ضربت أروع الدروس الخالدة في نفوس الشباب المسلم، ضربت مثالا في الصمود والرباط، والثبات على الثغور، وضربت مثالا في الدفاع عن النفس والعرض والأرض، وضربت مثالا أروع في الجهاد في سبيل الله بالنفس.
فسلام إليك يا غزّة.. سلاماً لأرضك الطاهرة.. سلاماً لأهلك المرابطين.. سلاما لأطفالك ونسائك وشيوخك.. سلام لكلّ من يمشي ويربط على أرضك ويتنفس هواءك… سلام لمن سقوا بدمائهم أرضك..
سلام لتلك النفوس الزّكية الطّاهرة…
سلام.. سلام… سلام