
مصطفىى ابو لبدة
كأنّي بالشاعر الأموي الذي كتب قبل 1330 سنه قصيدة ”قُلْ للمليحة بالخمار الأسود“، يتقلب الآن أسى في مثواه، عقب الكشف – قبل أيام- أن فريقًا من اختصاصيي الذكاء الاصطناعي أنتج تقنية تخترق الحجاب، فتجعلك تنظر للوجه فتراه تشكيلة رقمية، مع قدرة إضافية على تمييز إيحاءاته وقراءة طبقات نظامه العصبي.
الوجه المليح الذي كان يتحدى شطط الموهبة الشعرية، ليصفه ربيعة بن عامر التميمي بأنه يطيحُ الناسك المتعبّد، ويعطل المؤمن عن الفرائض، هو نفسه الوجه الذي ستخترقُ حجابه بعد اليوم تقنيةٌ خوارزمياتُها مُصمّمة لتصويره ثلاثي الأبعاد وتكشف لك هويته وعمره وتعابير عينيه، فتخليكَ من متعة شحن المخيلة.. يصبح الوجه حاصل ضرب بضعة أرقام وتقسيمه مثلًا على ثلاثة.
هل لمثل هذا الابتكار الذي أسموه ”الخمار العميق“، من توصيف غير أنه نموذجٌ أخير للكلفة الباهظة التي ندفعها، من رصيد الرضا، ثمنًا لوهم الحصول على ”الحياة الجيدة“، بتطوير خدمات رقمية تستهلك ما بقي من مُتع الفطرة التي تراكمت عبر مئات آلاف السنين وهي تسمح للمخيلة الفردية للإنسان بأن تجوس، بلا قيود، في المسافة الشاسعة بين عالميه الحقيقي والافتراضي؟