د.بتي السقرات
من خلال ممارستي لمهنة التدريس لمادة علوم الأرض سواء كان هذا في مدارس وزارة التربية والتعليم أو في عملي الحالي في الجامعة الأردنية وكوني كنت خلال الخمس سنوات الماضية عضو مجلس نقابي، فإنني أجد أنه يجب علي أن أسلط الضوء على موضوع العلوم بشكل عام وعلوم الأرض بشكل خاص ،على اعتبار أن مخرجات التربية والتعليم والتعليم العالي هي مدخلات للمهن المختلفة في كل القطاعات .
ومن خلال تجربتي الخاصة ومتابعتي لما يدور حولنا أجد بأنه ما آلت إليه الأوضاع الحالية من تردي وتراجع هو بسبب سوء الإدارات تجاه عدم الاستغلال الأمثل للثروات الطبيعية وعدم تفعيل علم الجيولوجيا واعطاءه حقه ،فهذا العلم الغني بالعديد من المحاور الهامة سواء أكانت تتحدث عن الثروات الطبيعية ،نفط ،ماء أو تتحدث عن دراسات المخاطر (الانهيار والانزلاقات الأرضية والحفر الخسفية وغيرها) أو حتى عن العلوم الحديثة فيها كالاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية وعلاقة هذا العلم بالعلوم الأخرة وأثره الواضح على الاقتصاد.
بشكل عام معظم الدول بعد جائحة كورونا أيقنت بأنه لا سبيل إلا للعودة للاعتماد على الذات والأردن من الدول التي لديها قناعة تامة بهذا الشأن وبناء عليه كان القرار السابق الذي اتخذ في سنوات سابقة إلغاء سلطة المصادر الطبيعية وتهميش مادة علوم الأرض ايحاء بعدم الاهتمام بهذا العلم والمواضيع التي يعالجها والحاضنة الطبيعية المؤسسية المتمثلة بسلطة المصادر الطبيعية وهو مناقض لما تسعى له الدولة.
إلا أننا مؤخرا نشهد ردّة ببعد إيجابي بما يخص هذا الموضوع من جهة وزارة الطاقة واهتمامها بموضوع فوسفات الريشة، وتوقيع مذكرات لدراسة الجدوى الاقتصادية لخامات النحاس والذهب، ومتابعة موضوع رمال السليكا في جنوب الأردن، بالإضافة لتفعيل البرنامج الوطني للتنقيب عن النفط والغاز والمتمثل بحفر بئر جديد في السرحان.
هذه المنظومة التي بدأنا نشهدها مؤخرا رافقها بشائر خير تتوارد عن نية وزارة التربية والتعليم مشكورة ممثلة بمجلسها ووزيرها معالي د. وجيه عويس والذي يعي تماما أهمية تكاملية العلوم وعدم إنفصالها ومحاكاة العلوم للواقع وأثرها على الاقتصاد وإحداث نقلة نوعية في التطبيق العملي لهذه العلوم وأن لا تبقى حبيسة للأدراج ، بشائر خير تشير إلى عودة مادة علوم الأرض إلى وضعها الطبيعي كبقية العلوم وهذا مؤشر إيجابي يسجّل لهذه الحكومة كما يسجّل الحراك الإيجابي الذي تقوم به وزارة الطاقة بقيادة الوزير الميداني معالي د. صالح الخرابشة وهذا بالمجمل يعطي مؤشرا إلى الالتفات إلى واحدة من أهم المحاور التي أثيرت مؤخرا ضمن مخرجات الورشة الاقتصادية التي عقدت في الديوان الملكي بايعاز من جلالة الملك وخطواته المستمرة نحو الاصلاح ، حيث كان أحد أهم المحار هو قطاع التعدين وكانت التوصيات بإعادة الروح إلى هذا القطاع وتفعيله، بحيث تعود مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي لكي نحقق ميزات على صعيد تعظيم الدخل، والتحصيلات الضريبية، وتشغيل الأيدي العاملة للتخفيف من حدة البطالة سيّما وأن هذه الثروات في معظمها تتمركز في المناطق النائية والمحافظات البعيدة.
الملف الآخر الذي أيقن أصحاب القرار في الحكومة أنه لا بد من دراسته هو الوضع المائي خصوصا في ظل تزاحم الفتاوى والاجتهادات حول الوضع المائي في الأردن بوجود مياه جوفيه عميقة، أو استغلال الأحواض المائية، أو ما يتعلق بالمياه العابرة للحدود ، ومياه الديسي، والحفاظ على حقوق الأردن المائية عبر القانون الدولي .
هذه كلها أعادت النظر والبوصلة إلى أهمية علم الأرض التي نحيا عليها مصداقا لقوله تعالى ” هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ”.
وإضافة لكل ما ذكر فإن الحراك الإيجابي المهني النقابي الذي قادته نقابة الجيولوجيين في السنوات السابقة لعودة مادة علوم الأرض ومقابلة المجلس للوزارء الذين تعاقبوا على وزارة التربية والتعليم وإلحاحهم المستمر على إحياء وتفعيل مادة علوم الأرض وما يقوم به المجلس الحالي المتمثل بنقيب الجيولوجيين الزميل خالد الشوابكة وأعضاء مجلس النقابة كان له الأثر الكبير في التركيز على أهمية هذا العلم ودوره وما سيكون له من دور في نهضة بلدنا وتطوره.
وكأكاديمية أسعى دوما لإيصال رسالة ،فأنا أرجو من الجميع الاهتمام بثرواتنا الطبيعية والسعي قدما لنشر أهمية علم الأرض وما تحويه هذه الأرض”أردننا” من ثروات لابد من البحث فيها ودراستها واستخراجها والدفاع عنها، فلنقدم لهذا الوطن اخلاصا ومحبة وولاء حتى يعطينا الكثير الكثير.