راتب عبابنة
كثرت الأصوات ووضح المشهد بغالبية تفاصيله فيما يتعلق بالتكالب على الأردن ودوره المحوري في المنطقة وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. والتكالب داخلي وخارجي. الداخلي يتمثل بالقرارات وتطبيق القوانين. فعندما تثقل الحكومة كاهل المواطن وتزيد من أعبائه حتى لا يقوى على النهوض، فهذا تكالب يدفع للتثوير مما يجعلنا نحكم على الحكومة بأنها حكومة هادمة وليست بانية. ودليلنا الطازج بناء مدينة حكومية منفصلة عن عمان ورغم أنها بنيان لكنه أسوأ من الهدم في ظل الظروف الإقتصادية المتردية ووقف المساعدات وشح الموارد. فلا وصف يستحقه هكذا قرار إلا باللامعقول واللامدروس والمتسرع ولم يأخذ متخذه الوضع المالي بالحسبان، إذ سيزيد الأعباء على المواطن وليس على الدولة لأن المواطن هو من سيتحمل وكالعادة أخطاء الحكومة. فما نراه من قرارات بظاهرها إنجازات وبحقيقتها تدمير وهلاك لا تخرج من دائرة التكالب.
أما التكالب الخارجي، نراه يتمثل بإبعاد الأردن عن لعب دور المصلح وهو أمر دأب عليه الحسين طيب الله ثراه سواء سياسيا بالحوار مع الفرقاء عندما أعاد مصر للحضن العربي بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد وجمع اليمنين صالح والبيض وعقد المجلس الوطني الفلسطيني في عمان أو عمليا بالمساعدة عسكريا في عُمان وثورة ظفار وفي حادثة الحرم المكي بتدبير جهيمان العتيبي وإرسال قوات الدرك للبحرين لإرساء الأمن بعد تمرد الشيعة المدعومين من إيران والمشاركة بالتحالف العربي الإسلامي على الحوثيين وغير ذلك من المواقف المؤثرة والفاعلة التي حمت بلدانا وثبتت عروشا، ما نراه وبوضوح هو إدارة الظهر للأردن ناكرين مواقفه العروبية وتضحياته لإسعاد أشقائه.
فذكّر لعل التذكير يدفع نحو التصويب وتعديل الإتجاه ووضع المعروف بمكانه الصحيح وأن يتم الأخذ بالنبض الشعبي العام. وهنا نستذكر الحسين طيب الله ثراه عندما كان قراره بالإبتعاد عن المشاركة بالحرب على عراق صدام إدراكا وفهما وانسجاما مع الرأي العام الأردني وكذلك “رأي” الكائنات الحية الأخرى التي كانت تلهث باسم الحسين وصدام.
دول المقاطعة أعلنت منذ بداية أزمتها المفتعلة مع قطر عن عدم رغبتها بالتدخل من خارج البيت الخليجي وها هي تسمح لوزراء خارجية الدول الأجنبية بالزيارات المكوكية للتوسط بالمصالحة. والأردن وهو رئيس القمة العربية والسباق دائما للم الشمل العربي وضعت كل الموانع أمامه لضمان عدم التحرك باتجاه رأب الصدع الخليجي.
أميركا تحرص على مصلحة الأردن بقدر ما يحقق هذا الحرص مصلحة وتفوق ربيبتها إسرائيل وما الأردن إلا وسيلة من وسائل أمريكا للحفاظ على إسرائيل بطريقة أو بأخرى.
تنسيقات واجتماعات واتصالات تتم بعيدا عن إشراك الأردن صاحب الدور الهام بكل ما يخص المنطقة بطريقة تدعو للتساؤل وتبعث على الشك بأن هناك ما يحاك ويطبخ بخصوص هذا البلد الذي لم يتوان عن تقديم ما يفوق قدرته للأشقاء بكل الظروف السلمية واللاسلمية.
على الدوام كان الأردن يلعب دور نقطة الوصل التواصل والتنسيق التي يلتقي عندها الجميع للتشاور ونقل التصور العربي لمجمل القضايا للقاضي الأمريكي لدراستها وإطلاق الحكم. كان الأردن بمثابة الناطق باسم العرب أمام العالم ينقل همومهم ومظالمهم ومطالبهم بطريقة حضارية وبلغة رصينة وفهم عميق حتى نال إعجاب العالم المتحضر واستجابت له الدول بالعديد من المواقف. والملك عبد الله الثاني هو الزعيم العربي الوحيد الذي يتحدث عن القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين وإقامة الدولتين وأهمية السلام ومكافحة الإرهاب.
دخل الأردن بالحرب ضد داعش ودخل بالتحالف العربي في اليمن وإن كان رمزيا لإثبات حسن النوايا ولعدم الخروج عن الخط السعودي. مواقف عديدة ترمي بنهايتها لتحقيق التضامن العربي كما هو شأنه دائما.
نتفاجأ بأن الإحسان لا يقابله الإحسان، بل قابله التنكر وإدارة الظهر والعمل سرا هنا وهناك من هذا ومن ذاك قفزا عن دور يمكن أن يلعبه الأردن وهو العالم والخبير والضالع بشؤون المنطقة والعارف والمتمكن من فهم العقلية الغربية وظرق التخاطب معها.
المصالحة الفتحاوية الحمساوية جرت بعيدا في مصر السيسي التي أذاقت حماس الأمرين وبأحلك الظروف التي فرضتها اسرائيل فكان نظام السيسي “الأخ” أكثر قسوة من اسرائيل العدو. كما نرى الإتصالات والزيارات السرية مع اسرائيل تفوح رائحتها من اسرائيل نفسها لتفضح وتكشف المستور.
وعلى الصعيد الداخلي أيضا الوضع لا يبعث على التفاؤل والطمأنينة، بل يدعو للقلق الشديد لدرجة الرعب حيث حكومات تعبث بقوت المواطن دون رادع من مطبخ القرار وأحزاب تُحَل وأخرى تتشكل سرا ومجلس نواب معطل وشعب يغلي احتقانا وحنقا وغبنا ومديونية وضعتنا على عتبة الإفلاس وقرارات تتخذ بالظلام تستفز المواطن وتتسلل لما تبقى من دراهم بجيبه.
تخرج علينا الحكومة بقَوانين “لن تطال الطبقتين المتوسطة والفقيرة” وهل ما زالت لدينا طبقة متوسطة؟؟ وقوانينهم وقراراتهم “إنجازات وطنية” علينا تلقيها بالترحاب والتأييد وإلا فأنت متمرد ومناكف. مدينة حكومية بمئات الملايين وقروض وناتجنا المحلي 5% والمديونية 95% والمساعدات توقفت والمقدرات الوطنية بيعت والهدر قائم. هذا بظل غياب الرقابة الحقيقية وانعدام المحاسبة إلا بحال البسطاء كالطفيلي الذي حطم عداد الكهرباء وعبر عن عدم قدرته على دفع فواتيره.
النهج القائم والسياسة الخارجية والداخلية والتفاعل مع الدول العربية بالأخص، جميعها أصبحت تملي ضرورة المراجعة والتعديل والتغيير والتعامل بالمثل والندية واستمزاج التوجه الشعبي لخلق الإنسجام والتناغم بين الشعب والسلطة ولطي صفحة التغول والإستفزاز حفاظا على استقرار البلد ولإجهاض محاولات أصحاب الشد التدميري.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.