ماهر ابو طير
يصر الأردن على ان تبقى علاقته بالروس، علاقة إيجابية، وبرغم البرود الجزئي في العلاقات خلال العامين الماضيين، ربما تأثرا بحرارة طقس موسكو خلال الشتاء، الا ان العلاقة خدمت الأردن، كثيرا، وبقيت مهمة، وأساسية، على مستوى الدولتين.
يطير وزير الخارجية الى موسكو، ويلتقى بوزير الخارجية الروسي، ويعقدان مؤتمرا صحفياً، يكرران فيه ذات الصياغات المعتادة، حول عملية السلام، والملف السوري، وقد يكون هناك نقاشات خارج المؤتمرات الصحفية، على صلة بأمن الإقليم، والإرهاب، ومساحات إيران في المنطقة، وملف الحدود الأردنية السورية، والدور الذي يقوم به الروس لصالح الأردن، دون ان ننكر هنا، ان هناك اتصالات فنية لمؤسسات مختصة في البلدين، بعيدا عن السياسيين، لكن بتوجيه منهم، كون هذه الاتصالات حساسة أمنياً.
هذا يعني، ربما، ان هناك قراءات اردنية غير مريحة على تطورات الملف السوري، وملف الجماعات المتشددة، وملف ايران، وملف الإرهاب، وموسكو لها صلة بكل هذه الملفات.
الأردن يدخل العام 2021، بقوة على الصعيد السياسي الخارجي، إدارة أميركية صديقة للأردن، تنشيط للعلاقات مع العراقيين، علاقات جيدة مع دول الخليج العربي، علاقة اردنية قوية جداً، مع الفلسطينيين والمصريين أيضا، وهناك إعادة تموضع على صعيد العلاقات الخارجية في هذا التوقيت بالذات، ولاعتبارات مختلفة.
حلقة العلاقة مع السوريين، وحدها، المكسورة في سلسلة العلاقات الأردنية الخارجية، والسبب يعود الى تعقيدات مختلفة، من بينها علاقات السوريين بإيران، وما يجري في لبنان، واذا كانت الإدارة الأميركية الجديدة، لديها تصورها تجاه الازمة السورية، فان هذا يعني ان العلاقة مع السوريين، لن تبقى كما هي، فقد تتحسن، وقد تسوء، وفقا لما ستأتي به هذه الإدارة على المنطقة، وما يؤثر على كل حلفاء واشنطن، دون ان نلغي هنا العامل الإيراني من كل القصة، وموقف واشنطن من طهران، ومدى التزام دمشق بتحالفها مع الإيرانيين، في ظل معاندة دولية، من جهة، وحتى حسابات باتت مختلفة لدى الروس حلفاء دمشق.
هذا يعني ان كل المشهد على هذه الجبهة، سيبقى معلقاً، فالأردن أيضا يدرك على مستوى صناع القرار، ان الملف السوري، ليس شأناً خاصاً، بل له ظلال إقليمية ودولية.
الروس في فترات سابقة، ساندوا الأردن في قضايا كثيرة، من بينها منع تجمع قوات إيرانية، او ميليشيات مقاتلة إيرانية، ولبنانية، وأفغانية على الحدود، وساعد الروس كثيرا، في تفاصيل تتعلق بأمن الإقليم، والأردن، لكن العامين الماضيين شهدا هشاشة في أدوار كثير من الدول، لصالح أولويات مختلفة، فوق ما جاءت به جائحة كورونا، من إعادة خلط للأوراق في كثير من الدول، نحو الأولويات الداخلية، في توقيت حساس سياسيا واقتصاديا.
لم يقل وزير الخارجية، علنا، لماذا ذهب الى موسكو في هذا التوقيت، اذ ان الحديث أيضا عن حل الدولتين، ليس جديدا، وان كان الوزير لأول مرة يقول ان الحل في خطر شديد، وربما يراد تحشيد الروس لصالح دور دولي، من اجل استعادة عملية السلام، او عدم عرقلتها، مع معرفة كثيرين هنا، ان الروس بحاجة اولا الى اصلاح علاقتهم مع الاميركيين أولا، حتى يستردوا قدرتهم على دور دولي في الملف الفلسطيني، لكن في كل الأحوال، تبقى هذه حملة سياسية للحض على تحريك ملف المفاوضات، حتى لا نقول حملة علاقات عامة.
هذه اكثر فترة تمر على المنطقة، منذ الحرب العالمية الثانية، تخضع فيه المنطقة، الى محاولات الفك وإعادة التركيب، وبرغم ان المنطقة العربية، تعد طوال عمرها مناطق نفوذ وصراعات إقليمية ودولية، الا ان العشر سنين الأخيرة، شهدت حدة في هذه الصراعات، فكل الأطراف تلعب هنا، من الروس والأميركيين، مرورا بالأتراك والإيرانيين، وما يتعرض له العالم العربي من ضغوطات داخلية، يجعله بحاجة الى الحماية الخارجية في مرات، او تخفيف كلف الصراعات عليه، لكنه يمر بفترة صعبة، زاد المشروع الإسرائيلي، من حدتها، كون إسرائيل أيضا تلعب مع كل اللاعبين، وهي المهدد الاكبر.
الحملة السياسية، لافتة للانتباه، لكننا بحاجة الى عدة شهور، حتى نستبصر اذا ما اثمرت عن نتائج محددة على صعيد الملفات الإقليمية، خصوصا، مدى قدرة الأردن على استرداد مركزه في الإقليم، كما يجب، في ظل إعادة رسم الخرائط التي وصلت ذروتها الآن.