
د.خالد الشقران
قوة الدول لا تقاس بعدد الجيوش ولا بحجم الموارد، بل بقدرتها على صون استقرارها الداخلي، ومراكمة عمليات البناء والإنجاز في مسيرة الاصلاح والتحديث والتطوير السياسي والاقتصادي والإداري، فالدولة التي تتوقف عن الإصلاح تفقد توازنها في عالم تتغير ملامحه كل يوم، بينما الدولة التي تصر على البناء والتحديث، حتى في أحلك الظروف، تثبت أنها تملك مناعة حقيقية تحميها من العواصف.
لقد أثبتت التجربة الأردنية أن الإصلاح نهج وطني ثابت، فالمسارات الثلاثة التي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني ـ السياسي والاقتصادي والإداري ـ تشكل رؤية شاملة لتجديد بنية الدولة وتعزيز قدرتها على الاستجابة لمتطلبات العصر وتطلعات شعبها، المسار السياسي يهدف إلى ترسيخ الحياة الحزبية والبرلمانية، وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في صناعة القرار، بما يضمن تطوير الوصول الى حياة سياسية وبرلمانية وحزبية ناضجة ومؤسسات أقوى تعكس اداء اكثر تميزاً في اداء المهام والمسؤليات المناطة بالسلطات الثلاث التنفيذية والتشرعية والقضائية، أما المسار الاقتصادي، فيسعى إلى بناء اقتصاد كلي قائم على الانتاج والاستثمار والإبداع وخلق المزيد من فرص العمل والتشغيل، لا على الاعتماد والمساعدات، فيما يهدف المسار الإداري إلى تحديث الجهاز الحكومي ورفع كفاءته وتطوير ادائه بما يليق بمستوى طموحات المواطنين وثقتهم بدولتهم.
هذه المسارات بالاضافة الى انها تعمل وفق خطوط متوازية فإنها تشكل ايضا شبكة متكاملة تغذي بعضها بعضاً، فلا يمكن تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة دون إدارة حديثة تحسن التخطيط والتنفيذ، ولا يمكن ترسيخ إصلاح سياسي فاعل دون بيئة اقتصادية تضمن العدالة وجودة توزيع الموارد والفرص المتكافئة، ومن هنا تتجلى الرؤية الملكية في الجمع بين هذه الأبعاد ضمن مشروع وطني واحد، يوازن بين متطلبات الحاضر واستحقاقات المستقبل.
وفي ظل عدم مظاهر الاستقرار التي تعيشها منطقة الشرق الاوسط والمنبثقة عن الصراعات الإقليمية وتأثير الأزمات الدولية، تبرز أهمية الثبات على نهج الإصلاح كخيار استراتيجي لا يمكن التراجع عنه، فكل أزمة في الإقليم تذكرنا بأن مناعة الداخل هي خط الدفاع الأول، وأن الإصلاح المستمر هو السلاح الأنجع في مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية، وبأن الدولة التي تحافظ على حيوية مؤسساتها، وتعزز ثقة مواطنيها، وتفتح نوافذ الأمل أمام مواطنيها بشكل عام وشبابها بشكل خاص، تضمن أن تبقى قوية مهما اشتدت الضغوط من حولها.
في الخلاصة؛ بما ان استمرار مسيرة التحديث يعد شرطا لبقاء الدولة مزدهرة ومتوازنة، وحيث أن الإصلاح الحقيقي لا يقاس بسرعة نتائجه وانما بعمق جذوره واستدامة أثره، لذلك فإن الحفاظ على زخم هذه المسارات الثلاثة، ومواصلة تنفيذها بروح متجددة باستمرار من الالتزام والمسؤولية، هو الطريق الأكيد لتعزيز قوة الدولة الأردنية وصون مستقبلها، حتى تبقى كما هي دوما وفي كل مراحل تاريخها وحاضرها وحتى مستقبلها واحة استقرار مهما احاطت بها من اضطرابات وتحديات اقليمية ودولية، ومثالاً لدولة تتجدد دون أن تفقد ثوابتها.
