رقيه القضاه
طيبة الطيبة بجندها من رجال ونساء ،يتفيئون ظلال الوحي ،ويلتفون حول حبيبهم المصطفى يستمدون من قوّته القوة ،ومن صبره الصبر ،ومن حبّه العظيم للشهادة في سبيل الله ،انطلاقة عزم لم يعرفها التاريخ البشري ،ولم يستطع الكفار فهمها ،فالآلهة التي يعبدونها لا ترقى إلى المستوى الذي تهون لأجله ا لأرواح ،وهم لم يتذوقوا معنى العبودية الحقة للربّ المعبود بحق والعبادة الخالصة للإله العظيم المستحق وحده للعبادة ،
وتستمرّ الطلائع المستطلعة والبعثات التعليمية المفقهة ،تتناثر خارج المدينة ،ووفي الصحراء المترامية في جزيرة العرب، تتوثب القبائل التي يسيّرها سادة ظلمة ،وكبراء فراعنة ،تخشى على مكانتها ومكاسبها من دعوة محمد ،ودين محمد ،والعدالة الإنسانية التي جاء بها محمد ،ولا تجد الحل إلّا في القضاء عليه وتصيّد أصحابه ،الذين نفروا خفافا وثقالا يغسلون المذلّة والقترة عن وجه البشرية،
والسّرايا المحمّدية تجوب الصحارى ،تستطلع نوايا الأعداء ،والأعداء يرصدون المدينة بمن فيها ،ويتتبّعون سرية خرجت منها وفيها عاصم بن ثابت، وخبيب بن عدي وجماعة من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في شهر صفرفي السنة الرابعة للهجرة ،ويحسّ الصّحابة بالعدوّ يتبعهم ،فيلجأون إلى مرتفع من الأرض ،ويساومهم الرماة الذين تبعوهم ،وهم قرابة المائة ،يطلبون منهم النزول، ولهم العهد بالأمان ،وتنطلق الكلمة القاطعة التي أثبتها عاصم لنفسه على مرّ الزمان {أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، اللهم اخبر عنّا نبيك } لقد أيقن الأمير المبتعث انّ ثباته يسرّ نبيّه صلى الله عليه وسلم ، فدعا ربّه أن يبلغ نبيه بما يسرّه منهم
ويقاتل الامير ويقتل مع سبعة من اصحابه،ويحمل خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة،ليباعوا في مكة ،لأولئك الذين قتل أبناؤهم وإخوانهم يوم بدر، وتنتشي القلوب الموتورة بالظفر بالاسيرين ،ويخرجونهما إلى حرم الله ليقتلا ،قربانا لآلهة صمّاء عجماء ،وثأرا لأبناء قتلوا دفاعا عن حجارة خرساء معبودة بغير حق ،وقيم حمقاء ،وحميّة جاهلية
، ويقدّم خبيب إلى الشهادة ،وقد امتلأت روحه اشتياقا للقاء الله ،وحلّقت هائمة في عالم القرب والرضى ،ويطلب ان يصلّي ركعتين لله ،وتصير سنّة الشهادة يفعلها خبيب و يقرّها نبي الله ،ويظل دعاء خبيب إلى اليوم يتردّد، يراد به كل جبّار لا يرقب في المؤمنين إلّا ولا ذمة {اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم احدا } ،ويترنم الشهيد الذي استقامت في قلبه محبة الله ،وطلب رضاه وافتداء شرعته،وتتهادى الابيات الراضية المستعدة للموت على ملة الإسلام مهما تكن تلك الميتة ،فما هي إلّا الشهادة المرجوّة
ولست أبال حين أقتل مسلما على أيّ جنب كان في الله مصرعي
وتنتشر القصة البطولية فتذكي روح الشهدة في القلوب المؤمنة و،تغري ذوي الجهالة بتكرارها ،إذ لم تلبث كوكبة اخرى من القرّاء أن خرجت إلى قبائل بني عامر ليفقهوهم في الدّين ويقرؤنهم القرآن ، وقد أجارهم أبو البراء عامر بن مالك ،ومعهم كتاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل،فلما جاءه رسول النبي بالكتاب لم ينظر فيه بل عدا على الصحابيّ فقتله،واستنفر قوم أبي البراء على القرّاء الحاملين لمشعل الهداية ،فيأبى بنو عامر أن يخفروا ذمة سيّدهم وقد أعطى الامان لأصحاب رسول الله
ومضى عامر بن الطفيل إلى من حوله من قبائل {عصيّة وذكوان ورعل }،فيجيبونه ويقتتل الجيشان قتالا غير متكافيء ،
ويحاط بالنجوم المشرقة بنور ربها ،وقد أصيب حرام بن ملحا ن حين تقدم أصحابه ليستطلع لهم موقف القوم ،ويباغته سيف غادر ،وينبجس دمه الطاهر ،مؤتلقا بلون العندم البهيج ،منتشرا برائحة المسك ويمدّيده الطاهرة إلى دمه الطيّب ،فيصبغ وجهه ورأسه بمسك الشهادة صائحا :{فزت وربّ الكعبة }ويهتف الشهداء القرّاء الدّعاة ،حملة النور ،وقوارير المسك ،{ اللهم بلّغ عنّا نبينا :أنّا قد لقيناك ،فرضينا عنك ورضيت عنّا }
ويبلغ الخبر النبي صلى الله عليه وسلّم ، فيقنت شهرا يدعو على القبائل التي غدرت بأصحابه وعصت الله ورسوله
اللهم عليك بأعداء أمة الإسلام
،اللهم احقن دماء المسلمين وانتصر للمغلوبين {فدعا ربّه أنّي مغلوب فانتصر) }