
نيفين عبد الهادي
غزة ليست بخير، حقيقة واضحة لا تحتاج لأي بحث في اللغة عن كلمات ومفردات تنقل واقع هذه المدينة التي لم تبق منها إسرائيل أي معلم من معالم الحياة، ولا أي من مقومات البقاء، فقد ساوت هذه المدينة بأرض يقبضون عليها بأرواحهم للبقاء على ترابهم الذي لم يبق لهم سواه، يقضون شهر رمضان بصيام يُكمل صيامهم وجوعهم الذي اعتادوا عليه لأكثر من 15 شهرا، يصومون فوق أنقاض حياتهم، ويفطرون على ما تيسّر لهم من طعام إن وجد.
ورغم كل هذه الكوارث التي يعيشها الأهل في غزة، ما يزال الاحتلال يصرّ على مزيد من إبادة هذا الشعب وظلمه، وكوارثه، بقرار وقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وإغلاق المعابر المستخدمة لهذه الغاية، ليدير ظهره لا أريد أن أقول للقوانين فقط إنما للإنسانية، والأخلاق والديانات السماوية، يدير الاحتلال ظهره للحق بإصرار على إبادة هذا الشعب وسلبه كافة حقوقه، بمزيد من الظلم والقهر والتجويع والإبادة.
في ظل واقع مرير وكارثي أبقت إسرائيل عليه غزة، وفي ظل هذه الأيام المباركة خلال شهر رمضان المبارك، وفي ظل موائد خالية من أبسط أساسيات موائد رمضان، وفي ظل العيش على أنقاض منازل أو في خيمة هشة تطير مع أي هبّة ريح، في ظل حياة تغيب عنها الحياة، في ظل عذابات يومية بكل دقيقة وثانية يعيشها الغزيون وأطفالهم ونساؤهم، تصر إسرائيل على مزيد من القرارات التي تجعل من واقع حياة الغزيين كارثيا بشكل أكبر وأخطر.
القرار الإسرائيلي بوقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وإغلاق المعابر المستخدمة لهذه الغاية، الذي يعد خرقاً فاضحاً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ولاتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب لعام 1949، كما أكد الأردن بموقف رسمي أعلنه رفضا وتنديدا بالقرار، الذي يُعد انتهاكاً فاضحاً لاتفاق وقف إطلاق النار، ما يهدد بتفجر الأوضاع مجدداً في القطاع، بتأكيد أردني على ضرورة أن توقف إسرائيل استخدام التجويع سلاحاً ضد الفلسطينيين والأبرياء من خلال فرض الحصار عليهم، خصوصا خلال شهر رمضان المبارك.
إسرائيل في قراراتها تجاهر، وتعلنها على الملأ فهي تأمن العقاب، لذا فهي لا تكترث بالقوانين ولا بالاتفاقيات، ولا بأرواح الناس، ولا بحرمة الشهر الفضيل، تمضي في ارهابها وحربها وتجويعها وابادتها، ما يحتاج أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته القانونية والأخلاقية، وإلزام إسرائيل الاستمرار باتفاق وقف إطلاق النار، وضمان تنفيذ مراحله كافة، وفتح المعابر المخصصة لإرسال المساعدات الإنسانية إلى مختلف أنحاء القطاع الذي يعاني من كارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقا لما دعا له الأردن، دون ذلك ستبقى إسرائيل في ممارسة كوارث غير مسبوقة في غزة، وستبقى غزة ليست بخير، وليست على قيد الحياة وحتى ليست على قيد الأمل بحياة ولو بحدها الأدنى.
واقع الحال في غزة لا يحتاج شرحا، ولا مكبّرا للمشاهد الكارثية، فغزة اليوم على قارعة الزمان، ومفترق طريق البقاء، وإن لم يكن هناك تدخل دولي يلتقي مع الاتفاق العربي والاجماع على ثوابت عربية لغزة، ستبقى إسرائيل ماضية في فرض وضع كارثي وإبادة جماعية وتجويع لشعب حقيقة يعيش كوارث غير مسبوقة بتاريخ البشرية.
الدستور