رمزي الغزوي
لأنهم يعرفون أن النجاح لا يجر إلا نجاحاً وفلاحاً، وأن شجرة النوم الوارفة الظلال، لن تثمر إلا فقراً وكسلا وخمولا، وهم يدركون تماما أن المال يجرُّ المال والغنى، وأن (القمل لا يبيضُ إلا الصئبان)، على حدّ قول مثلنا الشعبي. لأنهم يعرفون هذا وأكثر؛ فلن يكون غريبا عليهم أن يؤمنوا أن العطلة مدعاة للعطلة، وأن من حقهم المطالبة بظل لها أو أكثر.
ثمة أعراف للعطلة في حياتنا، لا يدقق فيها كثير من الناس، ولكنهم يعيشونها بسلاسة، ليس لأن العطلة ربيع قلوبنا، ومهوى أفئدتنا، بل ربما لأننا نستشف أن عجلة الإنتاج لدينا لا تدور إلا بفعل قانون عزم القصور الذاتي (سارحة والرب راعيها)، وأن الدنيا لن تبور إن عطلنا يومين أو أكثر.
لا أحد يعطل استعدادا للعطلة إلا نحن، ولا أحد يعطل بعد العطلة إلا نحن، وتشاهدون هذه الظاهرة قبل عطلة الاعياد الطويلة وبعدها، ولا أحد يطبق القانون الخفي بأن ما بين العطلتين عطلة إلا نحن، وأن من الواجب التحام العطلة بالعطلة حتى ولو هدرنا يومين بينهما.
على رائحة الثلج نعطل، وعلى هسيس العيد وانغام أغنية (هلا بالخميس) نكسل ونعطل، وبعد العودة من الثلج والعيد نعطل. فكيف إذا لا تريدون من أبنائنا ألا تتكون لهم فلسفة حصينة ذكية في فقه التعطيل.
يقول طالب في الصف السابع الأساسي، إن زملاءه لا يحبون الرحلة المدرسية إلا يوم الإثنين. لأن الأحد يتبخر استعدادا لها، والثلاثاء عطلة واجبة استراحة من وعثائها وتعبها، والأربعاء عطلة شبه اختيارية للتخلص من بقايا كسل النوم، والخميس عطلة عن الدراسة حكماً؛ لأننا نقضيها (سواليف) عن الرحلة وطرائفها.
الأسبوع الماضي اضطررت أن أذهب إلى مدرسة ابنائي؛ لأعيد أحدهم إلى البيت، بعد يوم رحلة عادوا منها عند الغروب. للأسف لم يحضر من صف ابني إلا ثلاثة طلاب، ولهذا طُلب منا أن نحضر لإعادتهم.
لم يخطر ببالي إلا سؤال خانق حارق. كيف يستمرئ الأهالي أن يبقى أبناؤهم خارج الدوام بعد يوم رحلة من المفترض أنها استجمام وفرح، ومدعاة أن يعود الأولاد إلى مدارسهم نشطاء؟ كيف يقبلوا بهذا الأمر الخطير، حتى وإن كان هناك تغاض وغض طرف من المدرسة. نحن حينما نعطلهم نزرع فيهم ضوءا أخضر يجعلهم يستمرئون العطلة كل حياتهم.
وانسجاما مع فقه التعطيل والتبطيل اقترح أن نقر يوم عطلة قبل كل عطلة استعدادا للعطلة، فالدنيا لن تخرب. فهي سارحة والرب راعيها.