رمزي الغزوي
مع حميمية التزاحم ودفء التلاحم قرب الدوار الرابح (الرابع) في عماننا العظيمة، مازحني صديق بلغة علمية طريفة: هل تعلم أن جسد الإنسان يطلق حرارة في كل ساعة، تكفي لغلي لتر من الماء؟!. فقلبت شفتي السفلى عجباً، وفتحت راحتي. فأضاف هامساً: يعني لو من زمان صرنا مثل هذه الكتلة البهية الملتهبة، لفاضت حرارتنا، وحررتنا.
لم أقل له بأني أفكر بنهر ساخن يمخر عمان. بل ضحكت من هذا المشاغب الذي انشغل عن الهتاف بسقوط الحكومة، ليضعني في هذه الفذلكة الجميلة. لكن تداركت الأمر وقلت: دعنا نفكر بأكبر حمام (ساونا) في العالم، علنا نغسل أدران فساد تلبد وتغلغل في مسامنا من عقود. أو دعنا ننتف به ريش كل ذل وتخاذل وخنوع.
بعد فكرة صديقي الدافئة، تذكرت السؤال الافتراضي الذي طرحه علينا أستاذ الحرارة ذات درس: كيف تستطيع أن تبقى على قيد الحياة، لأطول فترة ممكنة، إذا حكم عليك بالموت حبساً في ثلاجة؟!.
بعض من الزملاء اقترحوا ممارسة التمارين السويدية والركض، وقال آخر: ما على هذا الإنسان إلا أن يتمدد على ظهره، ويبتهل إلى الله بالدعاء الحار الحامي؛ كي ينقطع التيار الكهربائي، فتنطفئ الثلاجة. يومها ضحكنا بحرارة، وابتسم الأستاذ ببرود.
قد يكون أن التصرف الفيزيائي الحكيم الذي على الشخص المحبوس المكبوس في الثلاجة أن يتكور على نفسه، ويقرفص، ويهدأ، ويستكين، و(يلبد)، فالشكل الكروي يحافظ على حرارة الجسد ولا يبددها. فهذا التصرف قد يؤجل الموت قليلا. لكنه لن يبعده!.
مع مشهد الدوار الرابح، وقطوفه الدانية التي ننتظرها بأمل هذه المرة، سأقول متفائلاً وبلسان طلق ذلق: نحن كنا محشورين في ثلاجة لا يترجى انقطاع كهربائها، وكان دائماً ثمة صوت خفي يدعونا إلى الانصياع لحكمة الفيزياء، أي أن نتكور، ونقرفص منتظرين موتا محققاً.
أتمنى أن يكون هذه هو زمن الخروج من الثلاجة. زمن الحرارة التي ستنفض الفساد وتنظفه وتشطفه إلى سقف السيل. هذا زمن يليق بنا أن نرمي عكازاً كنا نمشي بها الحيط الحيط، وندعو بالستر. هذا زمن قد يخرجنا من بنديرية: حُط راسك بين الرؤوس، وقلْ يا قطاع الرؤوس.
لن ننصاع بعد اليوم إلى الفيزياء وحكمتها، بل سنهف إلى الحياة بكل حرارتها. لن نتكور، أو نقرفص، أو ننكمش، أو نهدأ. سيما بعد أن قذفنا الثلاجة من فوق الجسر الواصل إلى الدوار الرابح. وها نحن ننتظر حصاد شمس خرجت من ثلاجتها.