د. صلاح العبّادي
تعكس زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى عمّان اليوم أهمية العلاقات بين البلدين الجارين، والتقارب الأردني السوري، لتعزيز التعاون والتنسيق في مجالات مختلفة، يتصدرها الجانب الأمني لمنع تهريب المخدرات والسلاح، وتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.
الزيارة التي تعد الأولى للرئيس الشرع، حيث سيلتقيه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، بعد أنّ كان نائب رئيس الوزراء وزير الخارجيّة وشؤون المغتربين أيمن الصفدي قد زار العاصمة السوريّة دمشق في شهر كانون أول من العام الماضي، كأول وزير خارجيّة عربي يزورها بعد انهيار نظام الأسد في الثامن من كانون أول 2024.
الصفدي كان قد أكّد في لقاء سابق جمعه مع الشرع استعداد المملكة الأردنيّة الهاشميّة لدعم جهود بناء سوريا، معلناً تأييد المملكة لعملية سياسيّة شاملة في سوريا وصياغة دستور جديد. كما أنّ المملكة كانت سبّاقة في ترجمة ذلك على أرض الواقع من خلال إرسال مساعدات إنسانيّة إلى سوريا بشكل فوري، وإيصال الكهرباء إلى بلدات سوريّة متاخمة للحدود الأردنيّة، في سياق دعم جهود بناء سوريا وتعزيز قوتها.
كما أنّ المملكة استضافت في الرابع عشر من شهر كانون الأول 2024 اجتماعاً حول سوريا بمشاركة وزراء خارجية 8 دول عربية والولايات المتحدة وفرنسا وتركيا والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى ممثل الأمم المتحدة، في إطار توفير الدعم والإسناد إلى البلد الجار والشقيق.
الملك عبدالله الثاني كان قد أكّد وقوف الأردن إلى جانب السوريين واحترام “إرادتهم”، داعياً لتجنب انجرار بلادهم إلى “الفوضى” بعد إعلان الفصائل المعارضة دخول دمشق وإسقاط الرئيس بشار الأسد.
زيارة الشرع إلى عمّان تحمل معها رسائل سياسيّة واقتصاديّة وأمنيّة تعكس طموح القيادة الجديدة لتجاوز العقوبات، والانفتاح على محيطها العربي. في وقت ترى المملكة أهمية عودة سوريا إلى الحضن العربي بعد سنوات من القطيعة ومن ثم الجمود؛ إذ غدت الدول العربيّة أكثر استعداداً لدعم سوريا، خاصة في سياق المطالبة برفع العقوبات المفروضة عليها؛ لإعادة الإعمار بما يضمن العودة الطوعيّة للاجئين لإغلاق هذا الملف الذي أرهق الدول المستضيفة لهم خلال السنوات الماضية.
الشرع يسعى إلى تغيير الصورة النمطيّة لسوريا كدولة مصدرة للكبتاغون والإرهاب وحاضنة سابقة للتيارات الإرهابية، في وقت تواجه القيادة الجديدة إرثاً ثقيلاً خلّفه النظام السابق، يتضمن الانقسامات في المجتمع السوري والذي تسيطر عليه حالة من الخوف، التي سارع الشرع إلى تبديدها لدى السوريين.
كما أنّه يدرك أهمية تقديم تطمينات للدول العربيّة بأنّ سوريا لن تشكل تهديداً لجيرانها لا بل لدولة المنطقة التي تجابه التنظيميات لإرهابية، بل ترى ضرورة تعزيز العلاقات التاريخيّة مع الدول العربيّة وفقاً لعلاقات تشاركية يسودها التعاون المستمر، لتبقى في عباءة المظلّة العربيّة وتجابه التحديات المشتركة بيدٍ واحدة.
كل ذلك يأتي في سياق تخوفات عربيّة من التدخلات لدولٍ في الإقليم في الشأن السوري، مثل النفوذ الإيراني أو التمدد الإسرائيلي في جنوب سوريا، وهو ما يلقي على الدول العربية مسؤولية كبيرة لمنع استباحة سوريا من قبل جهات خارجية وضمان وحدتها وسيادتها على أراضيها.
ورغم التحديات الداخليّة والخارجيّة المتعلقة في الشأن السوري، تبدو الآمال معقودة على تعاون عربي سوري يضمن تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي للبلد المنهك، ويدفع سوريا نحو حقبة مزدهرة من التنمية والوحدة الوطنية، تمكّنه من عودة ما يزيد على 6 ملايين لاجئ سوري يقيمون في دول مختلفة. وتُعد المملكة من أكبر الدول المضيفة لهم منذ بداية الأزمة السوريّة، حيث تستضيف المملكة التي تشترك مع سوريا بحدود برية تمتد على 380 كيلومتراً، أكثر من 1,3 مليون لاجئ سوري منذ اندلاع النزاع في سوريا العام 2011، وعاد عدد محدود منهم بشكل طوعي إلى بلدهم منذ سقوط حكم الأسد.
الشرع يدرك اليوم أنّ عمليات تهريب المخدرات من سوريا باتجاه المملكة تعتبر واحدة من أبرز المشاكل التي كانت تعاني منها المملكة بشكل كبيرة في فترة حكم الأسد، حيث كان حزب الله للبناني وميليشيات تتبع للنظام الإيراني تنشط على الحدود الأردنية لتهريب المخدرات والسلاح، ومواد متفجرة. ورغم اجتماع المسؤولين في عمّان ودمشق لمرات عدة، لم تسفر مناقشاتهم عن أي جدوى فعلية على الأرض؛ لأنّ النظام السابق هو الذي كان يعزز عمليات التهريب في سياق محاولاته لتصدير الإرهابيين عبّر الحدود، لزعزعة أمن واستقرار المنطقة عبر الشريط الحدودي الأردني، فكانت جهود القوات المسلّحة الأردنية للتصدي لهم على مدار الساعة.
وتخوض القوات المسلّحة الأردنيّة مواجهات مستمرة على الحدود الشمالية مع سوريا، مع ميليشيات وجماعات تشنُ حرباً لتصدّر المخدرات للأردن، ومنها لدول الخليج ودول عربيّة.
شبكات التهريب كانت مرتبطة بالفرقة الثالثة التي كان يقودها ماهر الأسد، باعتبارها الأداة لترسيخ تجارة المخدرات كجزء من معادلة الحرب والسيطرة في المنطقة، وتوفير ما يزيد على 10 مليارات دولار سنوياً لعائلة الأسد، التي حوّلت سوريا إلى أكبر دولة في العالم تعتمد على عائدات المخدرات.
زيارة الشرع إلى عمّان، تأتي قُبيل أيام من مشاركته في القمة العربية الطارئة التي تنعقد في جمهورية مصر العربيّة في الرابع من آذار المقبل، لمناقشة القضيّة الفلسطينيّة، وما يتعلق في قطاع غزة الفلسطيني بعد الخطة التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتحدث فيها عن تهجير الفلسطينيين من القطاع.
مشاركة الشرع في القمة المرتقبة بمثابة خطوة مهمّة على طريق إعادة بناء دمشق لعلاقاتها مع دول المنطقة؛ إذ شهدت الفترة الماضية سعياً سورياً إلى تعزيز العلاقات مع الدول العربية مع التعهد بانتقال سياسي بشكل سلس. فعضوية سوريا في جامعة الدول العربية جرى تعليقها عام 2011 أثناء حكم الرئيس السابق بشار الأسد بسبب قمعه الدامي للاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية التي تحولت إلى حرباً مدمرة.
وسُمح لسوريا بالعودة إلى “البيت العربي” في عام 2023؛ لكنّ هذه العودة لم تغير في مسارها السياسي مع الدول العربيّة، لأنّ إيران كانت حجر عثرة أمام إعادة علاقات سوريا بمحيطها العربي، في وقت كانت ثلاث دول غير عربية تتحكم في مصير سوريا، لتنفيذ أجندتها في المنطقة، كان أبرزها طهران التي كانت مسرحاً لها ولحزب الله الذي تورط في دماء الشعب السوري لسنوات طويلة.
تقف سوريا اليوم أمام تحديات كبيرة لإعادة الإعمار تتطلب توفير نحو 300 مليار دولار، كما تتطلب توفير الأمن وعودة الاقتصاد إلى حالة من النمو المتسارع وعودة الأدمغة واليد العاملة السوريّة التي هربت من بلادها جرّاء انعدام الأمن والاستقرار خلال أربعة عشر عاماً من الظلم والاستبداد والإنهيار الاقتصادي.
سوريا اليوم تدرك أهمية إعادة بناء الثقة مع المجتمع الدولي والمؤسسات المالية العالمية لإعادة بناء البنية التحتية والقطاعات المحركة لعجلة الاقتصاد السوري.