
د.حسام العتوم
روسيا الاتحادية ، وبعد مرور 34 عاما على انهيار الاتحاد السوفيتي ، باقية في صدارة الدول العظمى ، و تسير حسب الرسم البياني لنهوضها وعلى كافة المستويات النووية العسكرية ، و السلمية ، وعلى مستوى العسكرة التقليدية ومنها البحرية ، و الفضائية ، و على مستوى الاقتصاد ، و المساحة ،و التمسك بالقانون الدولي ، و بحقها في الدفاع عن سيادتها وسط الحرب الأوكرانية ، و عبر دعوتها الدائمة للسلام ، جنبا إلى جنب ، و في مصاف الدول العظمى الأخرى مثل ، الولايات المتحدة الأمريكية ، و الصين الشعبية ، و الهند الناهضة . وفي الوقت الذي لازالت فيه أمريكا تقود حلف ” الناتو ” و أحادية القطب و تتغول على أركان العالم ، و رغم بوادر و مظاهر الخلاف وسطه على فاتورة الحرب الأوكرانية ، تستمر روسيا بالتمسك بصعودها بعد مرور زمن على تخلص المعسكر الشرقي من حلف وارسو عام 1991 .
ومنذ إنهيار الاتحاد السوفيتي 1991 ، و بدء العملية الروسية الخاصة ، الدفاعية ، التحريرية عام 2022 تجاه الاراضي الأوكرانية الشرقية السابقة التي حظيت بصناديق اقتراع حولتها بالكامل إلى روسية ، و توجهت لبناء عالم متعدد الأقطاب شمل شرق و جنوب العالم ،و أبقى الباب مواربا تجاه الغرب . وعلاقات روسية – أمريكية حديثة يقودها الرئيسان فلاديمير بوتين و دونالد ترامب ، ستفضي إلى سلام يعم المعمورة ، و تنتظره منطقتنا العربية ، و الشرق أوسطية ، و شمال أفريقيا ووسطها . ومصر – دولة عربية كبيرة ، و قطب عملاق ، يتمركز في صدارة العرب ، و القاهرة مرشحة لأن تكون عاصمة للعرب حال توحدهم بعد تلبيتهم لنداء ثورة العرب الكبرى الهاشمية 1916،وصيحة شريف العرب و ملكهم الحسين بن علي طيب الله ثراه . و تزامن يستحق الالتفات إليه بين انطلاقة ماراثون علاقة الاتحاد السوفيتي مع مصر العربية عام 1943، و بين دخول الاتحاد حلبة التصدي للهجوم النازي الهتلري ، الذي انتهى بسحقه عبر رفع العلم السوفيتي فوق الرايخ – البرلمان الألماني عام 1945 .
وتعاون اقتصادي سوفيتي مع مصر منذ عام 1948 بدأ بمقايضة الحبوب و الأخشاب بالقطن المصري . و شكل عام 1952 ، ومع اندلاع ثورة 23 يوليو المصرية ، و التحول للنظام الجمهوري ، منصة قدم الاتحاد السوفيتي من خلالها السلاح لمصر، و انفرد الاتحاد السوفيتي في التصدي للعدوان الثلاثي على مصر ( بريطانيا ، و فرنسا ، و إسرائيل ) ،و في بناء السد العالي ،و يذكر بأن مصر استقلت عام 1922 بعد ثلاثة أعوام على ثورة 1919 التي نادت بطرد الحضور الإنجليزي ، و اتجه الاتحاد بعد ذلك في خمسينيات و ستينيات القرن الماضي لمساعدة مصر في مجال تأهيل الخبراء بهدف إنشاء المؤسسات الإنتاجية و تطوير أعمالها . واسناد مصر لاحقا في مجال السلاح في حربي 1967 و 1973 مع فارق النتيجة التي توزعت بين خسران حرب و الانتصار في الثانية . ووقعت مصر اتفاقية كامب – ديفيد عام 1978 ، و السلام مع إسرائيل عام 1979 ، و شهد عام 1981 توترا في علاقات الاتحاد السوفيتي مع مصر ، بعد طلب الرئيس أنور السادات من الخبراء السوفييت مغادرة البلاد للتفرغ في بناء مصر، وهو العام الذي أغتيل فيه بسبب توقيع السلام بطريقة انفرادية رفضها العرب وقتها رغم تحرير كامل سيناء ، وتم نقل الجامعة العربية إلى تونس .
شهد عام 1991 تنشيطا للعلاقات الروسية – المصرية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ،و زيارات رئاسية مصرية لموسكو في الأعوام 1997 و 2001 و 2006 في عهد حسني مبارك . وزار الرئيس بوتين القاهرة عام 2005 ، وزار فيكتور خريستينكو القاهرة وتم فتح منطقة صناعية ، وفي عام 2008 بحضور الرئيسين حسني مبارك و دميتري ميدفيديف تم بحث موضوع الطاقة الذرية ،و تعاون في مجال التلفزة عام 2009 ، وحجم تبادل تجاري وصل عام 2024 إلى 8 مليارات دولار ، و تنقيب عن البترول بواسطة شركة- لوكيل – ، وعن الغاز بالتعاون مع شركة – نوفاتيك – ، و اعتماد للجنيه المصري من قبل البنك المركزي الروسي .
الموقفان الروسي و المصري من القضية الفلسطينية منسجمان ، و هكذا هو الموقف الروسي مع كل العرب في شأنها ، و توازن في العلاقات الجيوبولوتيكية لروسيا مع العرب و إسرائيل ، و اختلاف 24 درجة مع إسرائيل رغم الامتداد الديمغرافي الروسي اليهودي إلى وسط إسرائيل البالغ حجمه أكثر من مليون روسي ،و ليس كلهم من اليهود بطبيعة الحال ، و المعروف هو بأن روسيا الاتحادية الممثلة بقوة في مجلس الأمن تنادي إسرائيل بالعودة إلى حدود عام 1967 ، و هو نداء للأمم المتحدة أيضا ، و لمصر في صدارة العرب ، وهو ما أكدت عليه قمة العرب سابقا في بيروت عام 2002 التي تميزت بصيحة الأمير / الملك عبدالله بن عبد العزيز رحمه الله بمبادلة السلام الشامل مع إسرائيل مقابل إنسحابها الشامل من حدود عام 1967 ، و هو الذي لم تصغي له إسرائيل حتى الساعة ، و دربت أمريكا عليه ، لدرجة تمادي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – رجل الأعمال و ليس السياسي فقط عبر مناداته و إسرائيل بالتهجير الطوعي للمواطنين الفلسطينيين في غزة مع اخفاء ملف التطهير العرقي ، وهما الأكثر حرصا على سمعتهما المشتركة خاصة في قضية معاداة السامية .
ولقد رفضت مصر – السيسي الشقيقة سياسة التهجير القاسية بحق الفلسطينيين أصحاب الأرض و التاريخ و القضية العادلة ، تماما كما الأردن – المملكة الأردنية الهاشمية بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني ، و كما المملكة العربية السعودية الشقيقة بقيادة جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمير محمد بن سلمان . و عبر لقاء جلالة الملك عبد الله الثاني بالرئيس دونالد ترامب عن موقف أردني – مصري ، و عربي موحد ، و تم تأجيل الزيارة المصرية الرئاسية لواشنطن ، و فيها تعبير عن رفض مصر الانصياع للمؤامرة الإسرائيلية – الأمريكية المشتركة التي تقدم التهجير على إعادة بناء غزة المنكوبة بجهد المجتمع الدولي مع إبقاء أهل القطاع في وطنهم فلسطين . و نظرة ثاقبة لعمق التاريخ المعاصر تقودنا للتعرف على موطن اليهود مؤسسو إسرائيل ، و الذي هو جمهورية باراذ بيجان داخل روسيا و على حدود الصين ، أو كما اقترح الزعيم جوزيف ستالين بأن يكون في إقليم القرم في البحر الأسود ، أو في سخالين على حدود اليابان ، لكن حاخامات التوراة المزورة وجهوا اليهود إلى فلسطين انطلاقا من مؤتمر بازل عام 1897 للبحث عن هيكل سليمان المزعوم الذي لن يجدوا له أثرا يوما . و توجه لستالين وقتها أيضا لنشر الاشتراكية وسط العرب ، وما نشاهده اليوم و بعد اندلاع الربيع العربي عام 2011 ، هو انهيار الأنظمة العربية الاشتراكية كافة .
و المستغرب هنا حقا ، هو أن وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية ماركو روبيو ، وصل إسرائيل للتو لإسناد المشروع الإسرائيلي – الأمريكي تحت مظلة ما أسمياه بالريفيرا في غزة ، حاملا معه قنابلا ثقيلة لإسرائيل ، قدر ثمنها بأكثر من 7 مليارات دولار على شكل هدية رمزية ، ترسيخا للاحتلال و توسيعه و الاستيطان بدلا من الشروع بأعادة إعمار غزة و احترام كرامة مواطنيها الفلسطينيين عبر ابقائهم في أرضهم ، وكأنهما في المقابل يجهلان تاريخ القضية الفلسطينية الواجب أن تكون عادلة ،و تاريخ النضال الفلسطيني البطولي في المسافة الرابطة بين السابع من أكتوبر 2023 و حرب عام 1948 من أجل أن يكون للشعب الفلسطيني وطنا و دولة بعاصمتها القدس ، و كما كل شعوب العالم . وقدر الفلسطينيين الأشقاء في منطقتنا أنهم في الواجهة مع إسرائيل النازية التي ارتكبت جريمة حرب و إبادة راح ضحيتها أكثر من 47 ألف شهيد ، جلهم من الأطفال ، و النساء ، و الشيوخ ، و غيرهم تحت الركام ، ولم نسمع بهذا الشأن المأساوي كلمة عادلة من أمريكا ، و طبيعي أن لا تتحدث به إسرائيل العدوانية التي أشغلت العالم ، و أمريكا في المقدمة بملف الأسرى ، وععدهم قليل ،و قدماه على ملف الضحايا و الشهداء ، وهم كثر، و ضرورة تعويض أمريكا لعائلات الشهداء و الاعتذار منهم ، وهي التي ماطلت بوقف الحرب الإسرائيلية – الفلسطينية التي توسعت حينها تجاه لبنان و اليمن .