د. محمد يوسف أبو عماره
استَيقَظتُ صَباحًا عَلى حَرَكة سَتائِر الغُرفَة التي حَرّكتها نَسمات الصَّباح فَجَعَلت تَتَحَرَّك وتَصطَدِم بي إِلى أَن استَيقَظت كانت كَيَد الحَبيبة التي توقظ مَن تُحِبّ وهِيَ تَلعَب بِشَعره ، بِنُعومَة .. نَسَمات بارِدة وجَميلَة ، صَباحُ الخَيرِ يا أَيّتها النَّسمات التي تُسافِر عَبرَ الفَضاء ، صَباح الخَير لِكُلّ نَسمَة مرّت فَوقَ بَلَد الحَبيب ، فَوقَ بَحرِ الحَبيب حَولَ أَشجار الحَبيب طوبى لِنَسمَة استنشقها الحَبيب وطوبى لِنسمَة استقّرّت في رِئتي الحَبيب .. نَشاط كَبير يعتَريني اليَوم وأَمَل في أَنّ شيئًا جَميلًا سَيَحدُث.
غادَرتُ مَنزِلي نَحوَ سَيّارَتي مُتَّجِهًا نَحوَ مَدرَسَتي ، الطَّريق كانَ سَلِسًا وبِدون أَزمات طَريق ، والجَو خَريفي جَميل ، كَم كُنتُ أَتَمَنَّى أَن أَعيش أَجواء الخَريف وَسط غابات أَوراقها مُلوَّنة فَيختَلِط الوَرَق الأَصفَر مَع البُرتُقالي مَع الأَخضَر في جَو مُعتَدِل تُغَطّي شَمسه غيوم ناعِمَة ، وتُداعِب نَسماته أَوراق الأَشجار الصامِدَة عَلى غُصونها فَتُحَرّكها لتُصدِر أَصواتًا موسيقِيَّة عَذبَة لَن تَسمعها إِلّا في بِدء فَصل الخَريف ، هذا الفَصل الذي أعتبره المُفَضَّل لدي .. وَصَلتُ مَكتَبي وسَعادَة غَريبَة تَعتَريني .. وشُعور بِأَنّ شَيئًا جَميلًا سَيَحدُث وما إِن وَصلت حَتّى سمعت صَوت عَلاء “عَلاء زَميلي المَسؤول عَن اللّوازِم في المَدرَسَة” يَقول لي:
– دُكتور إِلَك عِندي مُفاجَأَة كَبيرَة
– أنا حاسس مِن الصّبح إِنّه في اشي حلو رح يصير
– طَب إِحزَر شو هوي ؟
– رَخّصو البَنزين ؟ – لا
– عَفونا مِن الضَرايب ؟ – لا
– (فلان) استقال ؟ – لا
– طيب فلانة استَقالَت ؟ – لا
– طب شو ؟
– لا إِحزَر اشي أَهَم من كُل هاي الأَشياء بالنسبة لإلك؟
– يلا يا علاء احكي .. قُدّامنا شغل كثير اليوم ومَرارتي فاقعة !
– لَقيتلك فِنجان القهوة ..
– جَد ، كيف ووين؟! وين كان؟! مين سرقه؟! وكيف لقيته؟! وان شاءالله صحته كويسة؟
– والله يا دكتور بعد الدّوام جاي الشّب اللّي بيصلّح الكَهرباء والأَخ عامل لحاله فِنجان قهوة وما حليله يشرب القهوة إِلّا بفنجانك والمًشكلة إِنّه شرب القَهوَة وحَط الفِنجان وهوي بيغير الأَضوية على حِفّة الطّابِق الثّالِث الخارِجيّة ، ونِسي الفِنجان
– طيب إِنتَ كيف لمحته ؟!
– بالصّدفة يا دكتور واحنا بندهن المَدرسة مِن بَرّة انتبهت للفِنجان المِسكين والحمدلله هيو –صاغ سَليم-
– شُكرًا عَلاء .. جَد شُكرًا .. أَسعدتني جِدًّا
– وهي أنا عملتلك فِنجان القهوة اليوم وبِفنجانك وإِن شاء الله بتعجبك ..
– أَكيد رح تعجبني ، شُكرًا عَلاء
أَمسَكتُ فِنجاني بِشَوق يا هَلا بالغالي أَمسكته ويَدي ترتَجِف وكأَنّني أَلمسه لِأَوّل مَرّة ، افتُقدتُكَ كَثيرًا يا صَديقي اصطحبتهُ وَذَهَبتُ نَحوَ المِذياع حَيثُ فَيروز بَدَأَت تَشدو ..
ورقو الأصفر شهر أيلول.. تحت الشبابيك ..
ذكّرني وورقو دهب مشغول.. ذكّرني فيك ..
أَيلول يا شهر التّغيير وشَهر الثَّورَة وشَهرُ الحُبّ ، فيكَ تَبدَأ القِصَّة وبِتَفاصيلك تُكتَب الرِّوايَة ، تَنقَلِب فيك الأَجواء وتَتَغَيَّر فيكَ الأَلوان وتُغَيِّر الأَشجار أَوراقها وتَتَزاحَم الطُّرُقات بالأَلوان الجَميلة ، خَليط عَجيب مِن الأَلوان الصَّفراء مُختَلِفَة الدَّرَجات ، جَميعها أَوراق شَجَر مُتساقِطَة ..
رَشَفتُ الرَّشفَة الأُولى مِن فِنجاني .. وإِذ بِسَطحِ القَهوَة يَتَبَعثَر بشَكل عَشوائي لا أَدري لِماذا شَبّهته بالأَوراق المُتَساقِطَة والمُتَراكِمَة فَوقَ بَعضها البَعض ، فَكَما أَنّ الوَرَق يَتَساقَط في مَوسِم مُعَيَّن هُناك بَعض البَشَر يَتَساقَطون في مواقِف مُعَيَّنَة ، البَعض يَسقُط مِنَ القَلب والبَعض مِنَ العَقل والبَعض يَسقُط مِنَ العَين!!
وما أَصعَب السُّقوطَ مِنَ العَين .. في بِدايَة العُمر يَكون الأَصدِقاء والمَعارِف كَثيرون حَولك كالشَّجَرَة المُكتَظَّة الأَوراق إِلا أَنّهم يَتَساقَطون هُنا وهُناك بِمَوقِف أَو أَزمَة أَو شِدَّة فَيَبدَأ العَدد بالتَّناقُص مَع مُرور العُمر وكُلَّما زادَت المَواقِف كُلَّما تَساقَط البَشَر أَكثر وأَكثَر ، لِذا حافِظ عَلى مَن يَستَمِر مَعك طيلَة المِشوار وبِمُختَلَف الظُّروف ..
رَشَفتُ رَشفَةً أُخرى مِن فِنجاني الجَميل فَتَحَرَّك السَّطح مَرَّة أُخرى بشكل رأس قَلب لَم يَلبث أَن تَحَرَّك بِبُطء ورَسم هِلالاً وثُمَّ تَحَرَّك مَرَّة أُخرى بِبُطء ورَسَمَ قَوسًا شبّهته بالحاجِب ، الحاجِب الذي يَعلو العَين ، ويَحميها.. ولذلك سُمِّي مَن يَحمي ويُرافِق القادَة في العُصور القَديمَة بالحاجِب .. والحاجِب أَنواع مِنهم الحاجِب الطَّبيعي والمُعَدَّل والصِّناعي! (التاتو ، Tattoo) كَما هِيَ حَواجِب السَّيّدات وكذلك البَعض يُشعِرُك بِأَنّه كالحاجِب لِعينك يَحميك ويُدافِع عَنك ويَدور في فلكك ويَبقى حَولك ولكنّه غَير حَقيقي بَل مُصطَنَع يُغادِرُك بِأَي مَوقِف فَهوَ كالحاجِب المَرسوم رَسمًا (كالتاتو) لا يَحمي العَين بَل هُوَ عِبارَة عَن ديكور فَقَط ..
وتَعود فَيروز لِتَشدو ..
ذكّرني وورقو دهب مشغول.. ذكّرني فيك
رجع أيلول وإنت بعيد ..
بغيمة حزينة قمرها وحيد ..
بيصير يبكّيني شتي أيلول ..
يفيّقني عليك يا حبيبي ..
ليالي شتي أيلول ..
بتشبه عينيك .. عينيك ..
فِعلاً أَوراق الأَشجار الصَّفراء المُتساقِطَة تُشبه إِلى حَد كَبير الذَّهب ولكنّه ذَهَب مَشغول أَيضًا أَي مُشَكّل عَلى مَزاج المُشتَري أَو الصّانِع.. فَقَد تَكون للذَهَب قيمَة ماديَّة إِلا أَنّ قيمته المَعنَوِيَّة تَسقُط بِمُجَرَّد سُقوط مَن كانَ سَبَبًا لَها أَو مَن تذكّرنا بِه! فَخاتَم الخطبة الذي أَمضى العاشِقان أَيّامًا لاختياره تَجِده في سوقِ الخُردَة بِمُجَرَّد انتِهاء العَلاقَة وعَدَم انسِجامِهما ..
وكَما قال مظفر النواب ” مو حزن لكن حَزين..مثل صندوق العرس ينباع خردة عشق من تمضي السنين.. مثل ما تنقطع جوّا المطر شدّة ياسمين” فَبَعض الأَشياء تَجعلك مُحتارًا بَينَ الحُزنِ وعَدَمِه!
أَمّا أَنتَ يا شَهر أَيلول فَما قيمتك عِندَما تَأتي هذا العام ولا تَصطَحِب مَعك الأَحِبَّة ، فَما قيمَة الأَيّام التي لا يَتَواجَد فيها مَن نُحِبّ ، أَيلول الذي أُحِبّ غيومه ، شَعَرتُ بِوَحشة كَبيرة بِقُدومِه هذا العام وشَعَرتُ أَنّه لا يَحوي إِلّا غَيمة واحِدَة وأَنّ قمرها أَيضًا وَحيدٌ ، فَقَمرنا يَشعُر أَنّ لا نُجوم ولا كَواكِب ولا غيوم تُؤنِس وحدته فَأَنا والقَمَر جيران فَأَنا بِدون أَحِبّتي أَيضًا لا شَيءَ يُؤنسني.. وأَنا والقَمَر غَريبان حَزينان نَشعُر بِفَراغ كَبير وحُزُن كَبير كَيفَ لا ومَع كُل حَبّة مَطَر تَسقُط مِنَ السَّماء تَسقُط دَمعَة مِن عَيني .. هذا المَطَر الذي يُذَكّرني بِعَينَيك عَينَيكَ القاسيتين اللّتين تُشبِهان لَيالي أَيلول البارِدَة والخالِيَة مِنَ المَشاعِر..عَينَيك اللّتين جَعلَتا عَيناي تَبكِيان كالغَيمَة غَزيرَة المَطَر.. فَعينيكَ بِبرودتهما تُشبِهان لَيالي أَيلول .. وعَيناي أَنا تُشبِهان غيومه المُمطِرَة!
رَشَفتُ رَشفَةً أُخرى مِنَ الفِنجان .. حَيثُ ذابَت مَلامِح وجهه وتُشكّل عَلى مُحيط الفِنجان خُطوط دائِريّة وتِلال وَوِديان ومُنحَنيات أَشبَه بالأَشجار .. وَصَوتُ فَيروز مِن بَعيد..
يا ريت الريح إذا إنتَ نسيت ..
حبيبي أوّل الخريف وما جيت ..
ينساها الحور وقمرها يغيب ..
ولَيلا يطول ..
ونبقى حبيبي غريبة وغريب ..
أنا وأيلول ..
دَوائِر وغابات مِن الأَشجار تَتَناثَر حَولَ القِمَم والقيعان .. تَتَشبّث بالأَرض وتَتَلاصَق مَعًا وتَصُدّ الرِّيح .. تِلكَ الرِّيح التي لَو تركت الأَشجار تَقاربها واتّحادها لاقتلعها مِن جُذورِها ولكن شَجر الحور الذي يُزرَع لِيَصُدَّ الرّيح بِأَوراقِه الرَّقيقَة والمُتَلاصِقَة والتي تَختَلِط وتَتَّحِد مَعًا لِتُشَكِّل جِدارًا مَرِنًا يَهزِم الرِّيح العاتِيَة ، فَكَما قال المهلب بن أبي صفرة “تأبى الرّماح إذا افترقن تكسراً وإذا اجتمعن تكسّرت آحاداً”
وكذلك تَتَّحِد أَوراق وأَشجار الحور لتردع الرّيح بِجبروتِها..
فَأَمام كُل هذه الفرقة والغَزو الثَّقافي والمادي والمعنوي إِن لَم نَتَّحِد ونُشكّل خَط دِفاع مَتين فَسيكون مِن السَّهل اختِراقنا ، فأَشجار الحور إِذا ما تَفَرَّقَت فَلَن تصدّ الرِّيح بَل سَتَقتلعها الرِّيح مِن جذورِها ..
ولكنّ هَل الأَماكِن هِيَ مَن تَعني لَنا أَم مَن يَسكُن الأَماكِن؟ فَهَل الذِّكريات مَرهونَة بالمَباني أَم بِمَن تسكن المَباني وأَنا أَميل لِمَجنونِ لَيلى في قَولِه:
أَمُرُّ عَلى الدِيارِ دِيارِ لَيلى .. أُقَبِّلَ ذا الجِدارَ وَذا الجِدارا ..
وَما حُبُّ الدِيارِ شَغَفنَ قَلبي .. وَلَكِن حُبُّ مَن سَكَنَ الدِيارا ..
فَقَد تَشعر بِغُربَة وأَنتَ في وَطَنِك لِغيابِ مَن تُحِبّ وقَد تَجِد أَي بَلَد غَريب وَطَنًا إِن جَمعك بِمَن تُحِبّ، فالوَطَن فِكرة ولَيسَ مُجَرَّد أَرض وتَضاريس ، والفِكرَة مُرتَبِطَة بِأَحداث ومَشاعِر وذِكرَيات وتاريخ فَكَم هُناك غُرَباء في مَنازِلِهم وغُرَباء في أَوطانِهم بَل وغُرَباء داخِل أَنفسهم ، فَقَد تَكون أَعمالك مُختَلِفَة عَن أَفكارك وهُنا ما أَصعَب الغُربَة التي تَحياها! فَغُربَة الرُّوح هِيَ الأَصعَب عَلى الإِطلاق!
فَما قيمَة عَودَة شَهَر أَيلول إِن لَم يَصطَحِب مَعه مَن نُحِبّ ولِماذا يَكون لَيل العاشِق صَعبٌ وطويلٌ وصَعب!!
رَشَفتُ رَشفَةً أُخرى مِنَ الفِنجان .. وذَهَبتُ بِخَيالي لِرُؤيَة هذان العاشِقان اللّذان بَعثرهما الزَّمان كُلٌّ في بَلَد تائِهان بَينَ جِبال وَوِديان وبِدون تَخطيط وأَثناء تَوَهانِهما وَسَط تِلكَ الأَوراق المُتَرامِيَة عَلى أَطرافِ تِلكَ الطَّريق الطَّويلَة والتي تقسم العالَم إِلى نِصفَين مُتَماثِلَين ، يَتَأَمَّل كُل مِنهُما تِلكَ الأَوراق الذَّهَبِيَّة وَرَقَة وَرَقَة وشَلَّال مِن الذِّكريات يَتَساقَط فَوقَ ذاكرة كُل مِنهُما فَمَع كُل وَرَقَة هُناك ذِكرى لا بَل إِنّ عَدَد الذِّكرَيات يَفوق عَدَد أَوراق الأَشجار المُتَساقِطَة في تِلكَ الغابَة المُترامِيَة الأَطراف ..
وأَثناء ذلك التَّوَهان يلمح أحدهما الآخر .. وبِدون تَفكير تَعصِف الرِّياح بِتِلكَ الأَوراق لِتَتَطايَر فَرِحَة بِلقاء ظَنَّ كَثيرون أَن لَن يَكون .. وكذلك تَكون نِهايَة القِصَص الصّادِقَة ..
فالصِّدقُ بالنَّوايا يَجعَل المُتَوَقَّع آتٍ فَأَنا أَقول دَومًا كُلّ مُتَوَقَّعٍ آتٍ .. لذلك تَوَقَّع ما تُحِبّ بِشِدَّة وبإِخلاص وسَيَأتي.. فإِن كنتَ تَحلَم بِمَشروع مُعَيَّن فاصدُق في نَواياك وعَمَلِك لِيَتَحَقَّق ، وإِن كُنتَ تَحلَم بِدِراسَة ما فاصدُق بِنَواياك ولا تَتَرَدَّد لِتَرى ما حَلِمتَ بِه يَتَحَقَّق وإِن وعَدتَ شَخصًا بِأَيّ أَمر فَكُن للصِدقِ أَقرَب حَتّى تَكُن أَحلامَك للتَحَقُّق أَقرَب ..
رَشَفتُ الرَّشفَةَ الأَخيرَة مِن فِنجاني .. الذي طالَ اشتِياقي لَه ونَظَرتُ إِلى قعره لِأَوَّل مَرَّة لِأَرى وَجهًا مُبتَسِمًا ، شَعَرتُ بِأَنّ فِنجاني يُبادِلني السَّعادَة باللّقاء ..
وتَذَكَّرتُ بِأَنَّ هذا الشَّهر هُوَ شَهَر أَيلول الجَميل ، أَيلول أَوَّل الشِّتاء ، أَيلول بِدايَة التَّغيير ، أَيلول حَيثُ يَلتَقي الأَحِبَّة وحَيثُ تَتَقاطَع الغَيمات مَعًا لِتَرسُم في السَّماء أَشكالاً جَميلة تُؤنِس القَمَر الذي لا يَعود يَشعُر بالغُربَة.. في أَيلول يَتَوَجَّه الطَّلَبَة إِلى مَدارِسِهم حامِلين أَحلام ذَويهم ومُعَلِّميهم ، في أَيلول تَهدَأ موسيقى الآلات ويَصمت النّاي لِيَتعلَّم مِن موسيقى الطَّبيعَة مِن عَزفِ أَوراقِ الأَشجار وخَشخَشَة الثِّمار الخَريفيَّة عِندَما تُحرّكها الرِّياح..
لِتُشَكِّل سيمفونِيَّة موسيقِيَّة عَجيبَة .. في أَيلول يَضع الفَنّانون أَقلامهم وأَلوانهم ويَنظُرون لِتِلكً اللَّوحات التي ترسمها الغابات ولِتِلكَ الأَلوان التي يُبدعها خالِق الأَكوان مَزيج غَريب مِنَ الأَلوان التي تُصبَغ بِها الغُيوم لِتُشَكِّل مَع الغابات لَوحَة شَبيهَة بالخَيال .. في أَيلول تَبدَأ الغُيوم بالاقتِراب مِنَ الأَرض تُصافِحها وتُقبّلها وتَمسَح أَحزانها وتعلّمنا بِأَنّ لا بُدّ لِأَحلامِنا أَن تَتَحَقَّق فَحَتّى الغُيوم تُلامِس الأَرض في أَيلول ..
في أَيلول تَبني العَصافير أَعشاشها وتَضَع بيضها وتَكوّن عائلتها الدّافِئَة .. في أَيلول تَتَحَقَّق الأُمنيات.. في أَيلول تَتَبَدَّل الرِّيح إِلى رِياح والأَحلام إِلى واقِع والمُستَحيل إِلى مُمكِن والصَّعب إِلى سَهل.. في أَيلول يَزيد الجَمال.. وكُلّ الجَمال.. وفي أَيلول اسمَحي لي سَيِّدَتي فَيروز أَن أُعيد تَرتيب بَعضَ الكَلِمات مَع اللَّحن لِأَختِم بِه الأُغنِيَة..
يا ريت الريح إذا إنتَ نسيت ..
حبيبي أوّل الخريف وما جيت ..
يحملها النّور وقمرها يجيب ..
وسَهرا يطول ..
ونبقى حبيبي قَريبة وقَريب ..
أنا وأيلول ..
بِقَلَم :
د. محمد يوسف أبو عمارة