الباحث محمود شريدة
حكاية سعد الذابح في التراث الشعبي
بقلم الباحث محمود حسين الشريدة
1 . المقدمة :
فصل الشتاء احد فصول ألسنه الأربعة ، يتميز بتدني درجات الحرارة وتساقط الأمطار والثلوج ، وبقصر عدد ساعات النهار وطول ساعات الليل ، تكثر فيه السهرات الشتوية ، وهي من العادات الشعبية ، كنا نتحلق فيه حول المدفأة والتي كانت تسمى ( الكانون او النقرة ) طلبا للدفء ، وكانا صغار السن ننصت باهتمام للحكايات التي كان يقصها علينا الآباء والأجداد ، ومن هذه القصص ما كان حقيقة ، ومنها مجرد خرافات وأساطير ، ولكنها تصب جميعها في خانة ( الرواية الشعبية ) .
عدد أيام فصل الشتاء (90) يوما ، تقسم الى فترتين : الفترة الأولى وتدوم أربعين يوما وتسمى الأربعينية او (المربعانية ) ، والفترة الثانية ومدتها خمسون يوما وتسمى الخمسينية او (الخماسينية ).
2. المربعانية الشتوية
وهو اصطلاح يشار به إلى مدة الأربعين يوما ، تبدأ المربعانية في( 22او23/12) ، وتنتهي (1 شباط ) ، وتتسم بالبرد القارص والمطر الشديد ، تستقر البرودة في باطن الأرض ، ويبدأ ظهور البخار من الفم ، وتسقط أوراق الشجر وتكثر الأمطار والغيوم ، فيها بداية الانقلاب الشتوي حيث أطول ليلة وأقصر نهار في السنة يوم( 22/12) وهو بداية الشتاء الفعلي ، يستمر معدل الليل والنهار كما هو لعدة أيام ثم يبدأ التغيير حيث النهار يأخذ في الزيادة من الليل ، يشتد البرد وتشتد الرياح ويظهر الضباب وتكثر الغيوم ، يستمر نقص الليل ويزداد النهار، تستمر البرودة والصقيع والضباب .
يتحدث كبار السن من الفلاحين عن الموروثات الشعبية فيما يخص المربعانية والتي: سميت بهذا الاسم لان عدد أيامها أربعون يوما ، وتعتبر بداية البرد وهي تمثل فصل الشتاء بما فيه من إنجماد وأمطار ورياح وغيوم وبرد .
يقول الفلاحون عنها : إذا دخلت المربعانية على نشاف ( أي بدون مطر ) تنتهي على نشاف ، وان دخلت على أمطار تنتهي على أمطار ، وفي بدايتها عيد الميلاد وعيد رأس السنة ، وخلالها يزرع القمح والشعير وغيرها ، ومنهم من يتذكر أربعينية الشتاء والرياح الشرقية والخوف من الصقيع ، كان الناس في السابق يتجنبون السفر في المربعانية ، لان وسائط نقلهم كانت ، إما السير على الأقدام او استخدام الرواحل ، والمسافر في هذه الفترة يجد من التعب والمشقة الشئ الكثير .
وبعدها تأتي الخماسينية وعدد أيامها خمسون يوما ، وهي ما تبقى من فصل الشتاء وما فيها من حكايات عن سعد الذابح وغيرة من السعود ولا ننسى قران السبيعي في أواخر شهر شباط وأوائل شهر آذار.
3. الخمسينية الشتوية (الخماسينية )
والخماسينية ومدتها خمسون يوما، تبدأ من أول شباط إلى الثاني والعشرين من آذار، وتقسم إلى أربعة مطالع نجميه أو سعود (جمع سعد) كل سعد 12,5يوم، ( سعد الذابح، سعد بلع ، سعد السعود وسعد الخبايا)، وفيها المستقرضات: أواخر شباط ، وأوائل آذار ومدتها سبعة أيام.
أ . سعد ذابح : من 1 شباط إلى ظهر يوم 12 شباط ، وهي فترة تتسم بالبرد الشديد .
ب . سعد ابلع : من ظهر يوم 12شباط ولغاية ظهر يوم 24من نفس الشهر ، وهو كناية عن الأرض في تلك الفترة ، تبتلع ما يسقط عليها من أمطار نتيجة ابتداء ارتفاع درجة الحرارة.
ج . سعد السعود : من ظهر يوم 24 شباط إلى ظهر8 آذار، حيث تزداد درجة الدفء وتدب الحياة في النباتات، وخلال هذه الفترة تأتي(المستقرضات) وتسمى احيانا ( قران السبيعي )، ومدتها سبعة أيام ، ثلاثة من أواخر شباط وأربعة من أوائل آذار، وتمتاز أحيانا بالمطر الشديد وهبوب الرياح القوية والبرد القارص.
د . سعد الخبايا : من ظهر يوم 8 آذار حتى ظهر يوم 20منه، حيث تنهض الزواحف وذوات الدم البارد التي كانت في فترة السبات الشتوي .
4. حكاية سعد الذابح
كان السفر في الماضي وقبل السيارات والطرق المعبدة والجسور ، يتم على الركايب والإبل وفي طرق موحلة أو صحاري قاحلة ، وكانوا يمتنعون عن السفر في أربعينية الشتاء لخطورتها.
تقول الحكاية : أن شخص (اسمه سعد )عزم على السفر في نهاية الأربعينية ، حاول والديه منعه من السفر خوفا عليه فأبى إلا أن يسافر ، ولما لاحظ أبوه إصراره نصحه أن يتزود بالفراء والحطب اتقاء البرد المحتمل والمطر، فما سمع نصيحة أبوه ، وكان يظن أن الطقس لن يتغير, بحكم أن الجو في ذلك الوقت كان دافيء.
ركب ناقته وسافر وبعد يومين من السفر نظرت والدته شمالا فرأت الغيوم الشمالية فخافت
على ولدها سعد ، وشكت ذلك الى زوجها ، فأجابها بقولة : (إن ذبح سعد سلم وإن لم يذبح هلك) .
وما أن بلغ سعد منتصف الطريق إلى حيث يقصد ، حتى اكفهرت السماء وتلبدت بالغيوم وهبت ريح باردة وهطل مطرا وثلجا غزيرا ، فلم يكن أمامه سوى ذبح ناقته وهي كل ما يملك, حتى يحتمي بأحشائها من البرد القارص. لذلك ذبح الناقة فسميي (سعد الذابح( ، وبعد أن احتمى في أحشائها من البرد, دب الجوع في سعد و لم يجد ملجئ سوى أحشاء الناقة للدفء ولحمها للأكل وحفظ الباقي بطمره في الثلج وهكذا كان (سعد البلع )، وما أن انتهت العاصفة وظهرت الشمس حتى خرج سعد فرحا من مخبئه ، وفرحا بكتابة الحياة له من جديد فكان ( سعد السعود ) ، وحرصا منه على متابعة طريقه دون مشاكل قام بصنع معطف له من وبر الناقة وإخراج زاده من اللحم والذي خبأه بالثلوج وهكذا كان (سعد الخبايا ) .
يشهد شهر شباط معظم الخماسينية ، ويتسم بالبرد والمطر وتقلب الجو، فيقول المثل: ( شباط : إن شبط أوخبط ريحه الصيف فيه) بمعنى أنه قد يمتاز بالدفء خاصة حين تسقط فيه الجمرات الثلاث (جمرة الهوا) في 5 شباط والتي تدفئ الهواء (وجمرة الماء) في 14 شباط وتدفئ الماء، (وجمرة الأرض) في 21 شباط وتدفئ الأرض.
يتم في نهاية شهر شباط ما يسمى ( قران السبيعي ) او (المستقرضات ). والسرّ في تسمية الأيام السبعة الأخيرة من الخماسينية بـ (المستقرضات) أن الأيام الثلاثة الأخيرة من شهر شباط تكون ماطرة وباردة، فيتم استقراض أربعة أيام من الشهر الموالي ( آذار ) لتكتمل الأيام السبعة في هذه الخماسينية الباردة .
تقول حكايات كبار السن حول المستقرضات : أن عجوزا خرجت من بيتها ، عندما بدأ الطقس بالتحول إلى الدفء، وبدأت في غزل الصوف، مستمتعة بأشعة الشمس الدافئة، والجو المعتدل. بدأت تلك العجوز تشمت من شباط وتقلباته، فسمعها شباط وغضب لهذه الإهانة ، واستنجد بابن عمه آذار قائلا (آذار، يا ابن عمي، أربعة منك وثلاثة مني ، بنخلي دولاب العجوز يغني) والدولاب هو المغزل . أي أنها تشعل دولابها الخشبي لشدة البرد. فاستجاب له آذار فلم تجد العجوز بدً من أن تجلب كل ما لديها من حطب، ليحترق في مدفأته حتى المغزل .
أما في آذار فيستقر الجو بشكل نسبي ويقول المثل الشعبي: (راح شباط الغدار وأجا آذار الهدار)
5. الامثال الشعبية :
ترتبط الأمثال بالذاكرة الشعبية لأي شعب من شعوب الدنيا ، ونحن في الأردن كما هو في إقليم بلاد الشام لدينا الكثير من الأمثال والحكم الشعبية التي انتقلت إلينا من جيل لجيل عبر مئات السنين، لتنقل لنا خلاصة تجارب الأجيال السابقة التي تكاد لا تترك مناسبة أو حدث إلا وربطته في مثل او مقولة .
كان لأشهر السنة نصيباً مهماً من هذا الموروث الكبير من الأمثال الشعبية وخاصة أشهر الشتاء، أجدادنا لم يصلوا إلى تلك الأمثال من فراغ بل هي نتاج سنوات من العمل والجد والتجارب سخروها لخدمة أرضهم وماشيتهم ، فاستنتجوا تلك الحائق من خلال مراقبة الشمس والنجوم وتقلب الليل والنهار وتغيرات الطقس …. ومن هذه الأمثال :
1 . امشي على غيم كانون ولا تمشي على نقا شباط … شمس كانون مثل الطاعون … كانون الصحو فيه ظنون … في كانون أقعد ببيتك وكثر من حطبك وزيتك … كانون فحل الشتا، (أي أغزر الأشهر مطرا) ….
2 . كانون فحلها ونيسان محلها … لا تغرك صحوة كانون ولا غيمة شباط ….زي عتمة كانون ، كناية عن سواد ليل كانون لكثرة الغيوم في السماء واختفاء ضوء القمر بين تلك الغيوم
3 . ما في أنقى من قمر تشرين ، ولا أعتم من غيم كانون … بعد كانون البرد بيهـون …
4 . المربعانية يا بتربـِّع يا بتـقـبـِّع … المربعانية يا شمس تحرق يا مطر يغرق
5 . شهر شباط ما عليه رباط … شباط جر العنزة بالرباط … شباط عدو العجايز
6 . الدفا عفى والبرد قتال … دخان يعمي ولا برد يقتل : (أي في الأشهر الباردة نتحمل دخان حطب الموقدة حتى ولو كان مؤذيا ولا نتحمل البرد القاتل )،
عمارة البيت خبز وزيت … القمح والزيت سبعين بالبيت … إن كان القمح بالبيت فرحت وغنيت … مثل خبز الشعير مأكول مذموم …
7 . اذآر أبو الزلازل والأمطار …آذار أبو سبع ثلجات كبار… آذار أوله سقعه وآخره نار.
برد آذار بقص المسمار… والمقصود شدة البرد فيه … خبي جمراتك الكبار لعمك آذار
شهر آذار ساعة شمس وساعة أمطار … في آذار العجوز ما تفارق النار … في آذار بتساوى الليل والنهار….كناية عن الاعتدال الربيعي الذي يصادف 21 آذار حيث يتساوى الليل والنهار.
8 . سعد الذابح : ما بخلي ولا كلب نابح
سعد السعود : بتدور الماويه بالعود ، وبيدفا كل مبرود …. سعد السعود فيه يخضر العود
سعد ابلع : لازرع ولا قلع … السماء بتمطر والارض بتبلع … سعد بلع البرد قد انخلع . سعد الخبايا : تتفتل فيه الصبايا وبتطلع فيه الخبايا .. وبسعد الخبايا اشلح الفروة وألبس العبايا ..
6 . الخاتمة
نعيش الحياة المادية وما فيها من تقدم علمي أدى إلى ثوره هائلة من التكنولوجيا قصرت المسافات واختصرت الزمن، انبهر بها أبناء هذا الجيل وتنافسوا في اقتنائها واستعمالها، أبعدتهم عن ماضيهم وتراثهم جعلت بعضهم يتنكر لماضية وتراثه ويركز على لغة جديدة هي لغة الفيسبوك وما أفرزته من مصطلحات ومختصرات جديدة اخذ يستعملها ويرددها على حساب لغته الفصحى وتراثه العريق، ومن هنا أوجه ندا لكل المهتمين بتراثنا أن يسعوا إلى توثيقه وخاصة التراث النظري والغير مكتوب للحفاظ علية من الضياع ….
الباحث / محمود حسين الشريدة
2 تعليقات
محمد
جميل جدا
رشا
موضوع شيق وغني بالتراث والمعلومة ومتعة القراءة … شكرا لك مني ومن والدتي في سعد الدابح