![](https://www.enjaznews.com/wp-content/uploads/2021/12/Screenshot_20210315_142009.jpg)
فارس الحباشنة
قبل عام، وفي ذكرى اندلاع ثورات الربع العربي كتبت مقالا بعنوان البوعزيزي، لو لم يحرق جسده سؤال ضاغط في تقييم ومراجعة ثورات الربيع العربي من تونس ومصر وسورية الى لبيبا واليمن، بعد عشرية عربية دامية وصاخبة بالفوضى والاقتتال الاهلي، والتدخل الاجنبي، والتجزئة والتفرقة الطائفية والاثنية، والمؤامرة على الجيش والدولة.
والتطورات السياسية الاخيرة التي شهدتها تونس، وخروج سياسيون عرب يترحمون على الربيع العربي، ودقوا نعش اولى ثوراته فهل ما جرى في تونس حقيقة تصحيح لمسار الثورة ام انه نهاية لاولى ثورات الربيع العربي .
والسؤال التالي حتما، بأن ما اعلنه الرئيس التونسي قيس بن سعيد، الا يمكن اعتباره تعبيرا ثوريا علنيا عن الازمة التونسية السياسية المتكلسة، وما سبق ذلك من شواهد واشارات تنذر بانهيارات سياسية واجتماعية ومعيشية وصحية، كادت تاخذ البلاد الى الهاوية والمجهول، والمصير العدمي.
من يتابع المشهد التونسي يدرك كثيرا من الحقائق عن ازمة البلاد، والمخاوف من انزلاق وانهيارات وان ما جرى ليس مفاجئا لاحد، وانه استبق انفجارا شعبيا واجتماعيا حتميا كان قد يقع بصيغة او اخرى.
في تونس، الازمة السياسية بين اركان الحكم «برلمان وحكومة ورئاسةجمهورية» وصلت الى تنازع على الصلاحيات وانسداد سياسي، وادخل البلاد الى «الفريزر»، فلا رئيس الحكومة المعزول كان في دار الرئاسة بقرطاج قادرا على ممارسة صلاحياته الدستورية، ومكبل بنفوذ النهضة في البرلمان، ومراكز قوى في النظام السياسي تلعب في البلد، وتعطل الحكم.
وامتد ذلك الى تنازع في الصلاحيات في السياسة الخارجية، ومضى راشد الغنوشي رئيس مجلس النواب وزعيم حزب النهضة الى السير تحت ادراج ما يسمى الدبلوماسية البرلمانية، وذلك منافسا وبشكل يوازي دبلوماسية الدولة، وخربطة اوراق السياسية الخارجية التونسية وثوابتها ومتغيراتها، بمراهنات بحتة على حلفاء واصدقاء وموالين في الاقليم والعالم العربي لتنظيم الاخوان المسلمين والنهضة التونسية.
والقشة التي قصمت ظهر البعير، الازمة الاجتماعية وتفاقم تداعيات وباء كورونا، والاهمال والفشل الحكومي في ادارة ازمة كورونا، وما حصد الفايروس من ارواح لمواطنيين يوميا. وهشاشة واخفاق الحكومة والنظام الصحي في تقديم الخدمة والواجب الصحي في مواجهة وباء هتك في المجتمع والناس، ولعناته وشروره ادت الى مزاحمة سياسية، سارعت باسقاط الحكومة وتجميد البرلمان، واعلان الرئيس التونسي عن الاجراءات التصحيحية.
اتهامات الدعم الخارجي، اكذوبة اخوانية وحركة قيس بن سعيد التصحيحية لا يقف وراءها اي داعم خارجي، ولربما ان دولا في الاقليم العربي رأت ان ثمة مصالح قد تتقاطع مع حركة بن سعيد التصحيحية وذهبت لما هو ابعد في الاعلان عن دعمها وتضامنها ومساندته لخطوة الرئيس التونسي، ودول اخرى رأت انها مقصودة ومتضررة، وخسرت حلفاء في الداخل التونسي، والسياسة حتما متقلبة الوجوه، وان تشابهت الوجوه، فهذا عيب وخطاء قاتل وجسيم.
تونسيا، يقف في صف قيس بن سعيد قوى المجتمع المدني واتحاد الشغل ومثقفي تونس، وتلك القوى تمثل تاريخيا «رمانة» الاستقرار والتغيير السياسي في تونس وفي مسارات ثورة الياسمين كان اتحاد الشغل وقوى المجتمع المدني لاعبان رئيسان وموجهان لاي مسارات جديدة في السياسة التونسية، ويبدو انهم اعطوا قيس بن سعيد الضوء الاخضر ليمضي اكثر في سياسة التصحيح.
حركة بن سعيد التصحيحة لا تشبه غيرها من ثورات مضادة شهدتها بلدان عربية. وكما يبدو حتى الان، فان الرئيس بن سعيد ليس مسكونا بالحكم المطلق، ولا مؤمن بالشمولية، واجراءات التصحيح لم تطال الحريات العامة والاعلام وحرية الرأي، وكما قال بن سعيد فاني لن اولد ديكتارتوا وسني 67 عاما.
والسؤال الاكبر، وفي غمرة ازمة تونس، واسئلة ما بعد الحركة التصحيحية، ما هو مستقبل الاسلام السياسي بعد تجربة تونس، وما يمني من خسائر متلاحقة في قلاع تجاربه الديمقراطية والسياسية، والفشل في السلطة والحكم.
في التجربة التونسية، ارتكب راشد الغنوشي اخطاء اخوان مصر في الحكم وحاول ان يستأثر في الحكم لوحده، ويختطف التحول الديمقراطي كله ويجيره للنهضة الاخوانية، وتخلوا عن مبادىء الثورة، وصعودهم الى السلطة انساهم كل شيء، الشركاء والاصدقاء وحلفاء في العمل السياسي والثوري، ونسوا ان الحوار روح الديمقراطية.
اليوم يراهن الغنوشي على الضغط الدولي لكي يواجه خطوات بن سعيد الاصلاحية المجتمع الدولي في بياناته كان اكثر حرصا على مواصلة المسار الدستوري، وحماية الديمقراطية التونسية، ولم يوصف ما جرى بانقلاب او واجه ادانة باستثناء وسائل أعلام موالية وتابعة للاخوان المسلمين.
بن سعيد كسب المجتمع الدولي، وثمة ضمانات سياسية واضحة قدمها لقوى المتجمع المدني اقرب ما تكون اطارا عاما لادارة الازمة التونسية، ومنع الانزلاق نحو الفوضى والاحتكاك بين الفرقاء السياسيين وكما يبدو فان خطوته تسير نحو أعلان خارطة طريق سياسية للخروج من الازمة التونسية ومأزقها، وحماية المسار الدستوري، بتشكيل حكومة والحوار السياسي واجراء انتخابات، والحل الاقتصادي، وثمة اسئلة حساسة كثيرة تطرق أبواب الازمة التونسية.