مع اقتراب إقرار قانون جديد للإدارة المحلية يبرز تساؤلا قويا في أوساط النخبة والعامة على حد سواء هل نجحت تجربة اللامركزية ام فشلت بعد ثلاثة اعوام ونيف من التجربة . حيث طبقت تجربة اللامركزية في الأردن ولأول مرة عام 2017م كتجربة مستنسخة من عدد من الدول المجاورة ومنها العراق وتونس والمغرب التي تدار كمحافظات ويتم تشكيل مجلس محافظة في كل محافظة يكون صاحب ولاية عامة . وفي الأردن الذي يبحث دوما عن الحداثة والتقدم ومعالجة البيروقراطية والروتين الإداري وتعقيدات الإدارات المترهلة تم إقرار قانون اللامركزية رقم 49 لسنة 2015م وتم إجراء أول انتخابات لمجالس المحافظات في عام 2017م وبدعم ملكي منقطع النظير . حيث حظيت تجربة اللامركزية باهتمام خاص من قبل جلالة الملك عبد الله الثاني الذي قدم دعما خاصا لهذه المجالس واعتبر ان مجالس المحافظات هي مجالس نواب مصغرة تمارس دور مجلس النواب فيما يتعلق بالتخطيط والرقابه غير المباشرة وتقديم الخطط التنموية والاستثمارية للنهوض بالمحافظات . وقدم جلالته كل الدعم لمشروع اللامركزية بهدف إنجاح هذه التجربة التي اتبتث نجاحها في العديد من دول العالم وخلال لقاءاته المستمرة من رؤساء مجالس المحافظات وأعضائها اكد جلالته على ضرورة تطوير مشروع اللامركزية، وإجراء تقييم شامل لهذه المشروع لتعزيز الإيجابيات وتجاوز المعيقات التي تواجه عمل مجالس المحافظات. وقال إن الهدف من اللامركزية هو إعطاء دور أكبر للمواطن في صنع القرار التنموي وتحسين الخدمات وتوزيع مكتسبات التنمية بعدالة. وفي هذا السياق، قال جلالته، بعد مضي عام على التجربة، يجب قياس أثرها على أرض الواقع من حيث مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين. وأكد جلالته، أن الحكومة تعمل ورؤساء وأعضاء مجالس المحافظات على مراجعة قانون اللامركزية وبما يسهم في تحقيق الأهداف المنشودة. وشدد جلالته على ضرورة التواصل الميداني الدائم مع المجتمعات المحلية لترسيخ مبدأ المشاركة الفاعلة، والوقوف على احتياجاتهم التنموية لتقديم الخدمة بشكل أفضل، وكذلك الاستمرار في التواصل مع المؤسسات لتطوير آليات العمل. وأضاف جلالته أن التحدي الاقتصادي هو الأكبر أمام الأردنيين، لكن العمل مستمر ضمن خطط واستراتيجيات لجذب الاستثمارات وتوزيعها على المحافظات بما ينعكس على تحسين الأوضاع الاقتصادية وإيجاد فرص العمل. وعلى الرغم من كل الدعم الملكي لتجربة اللامركزية الا ان التجربة وجهت بالكثير من العقبات لعل اهمها عدم إعطاء أعضاء هذه المجالس الصلاحيات الكافية لممارسة العمل فمجالس المحافظات ما زالت منزوعة الدسم فهي تقر المشاريع الخدمية والرأسمالية في المحافظة ويخصص لها اموال ضمن موازنة الدولة ولكن هذه الأموال لا تحول لهذه المجالس لتصبح ملكها وتتصرف بها وانما هي تقر مشاريع وتحول تلك المشاريع الى وزارة المالية التي تماطل في الإجراءات المالية مما يعطل الكثير من المشاريع ويجعل مجالس المحافظات دون سلطة حقيقية . وكعضو في مجلس محافظة الزرقاء فانني أرى ان تجربة اللامركزية بصورتها الحالية هي تجربة غير ناضجه وقد ساهمت الكثير من الظروف والأسباب في تراجعها وتفريغ التجربة من مضمونها فالكثير من اصحاب السلطة لا يريدون لهذه التجربة ان تتقدم لانهم يعتقدون ان مجالس المحافظات جاءت لتنازعهم سلطاتهم وتضعف قوتهم . ومن هنا جاء قانون الادارة المحلية الجديد الذي سيطرح من خلال مجلس النواب لمنافشته وقد الغى فعليا هذه المجالس بحيث لم تعد ذات قيمة ديمقراطية بعد ان صرح وزير الشؤون السياسية موسى المعايطه ان الخيار المطروح بالنسبة لمجالس المحافظات هو تشكيلها من المنتخبين من ابناء المحافظة بحيث لا يكون انتخاب مباشر لاعضائها وانما انتخاب غير مباشر بحيث تشكل من رؤساء البلديات في المحافظة ورئيس غرفة التجارة ورئيس غرفة الصناعة ورئيس اتحاد الجمعيات الخيرية ورئيسة اتحاد المراة ورئيس مجمع النقابات المهنية ورئيس اتحاد طلبة في جامعة حكومية ……او المزج بين الانتخاب المباشر وغير المباشر بحيث يتم انتخاب عدد محدود جدا بطريقة مباشرة وباقي الاعضاء بالتعين . ويبدو ان السيناريو المطروح لهذه المجالس هو تراجع صريح وواضح عن فكرة اللامركزية بعد ان استطاع كوفيد 19 ان يجمد عمل المجالس في العام الماضي والحالي وبعد ان تم تخفيض موازنة هذه المجالس بنسبة 75% والغيت كل المشاريع الخدمية والرأسمالية التي أقرت في موازناتها بسبب الضائقة المالية وكأن امر دبر بليل من اجل تجميدها. فتجربة اللامركزية تجربة عشتها وعايشتها ثلاثة سنوات ونصف تقريبا وكانت من التجارب التي تستحق الدراسة فقد كان لها الكثير من الايجابيات ولكن كان لهذه التجربة الكثير من السلبيات لعل اهمها تنقل الولاية على المشروع من وزارة التنمية السياسية الى وزارة المالية ثم الى وزارة الداخلية وأخيرا وبموجب القانون الجديد للإدارة المحلية فستكون وزارة الإدارة المحلية هي صاحبة الولاية على هذه المجالس وان كان العدد الكبير لاعضاء مجالس المحافظات يعيق الحركة فان تخفيض عدد اعضائها يسجل لمشروع القانون الجديد الذي ما زلنا بانتظاره ونتمنى ان يتم من خلاله تعديل كافة الفقرات التي تتعلق بصلاحيات هذه المجالس بحيث يصبح لها سلطة رقابية على المؤسسات داخل المحافظة .