
نيفين عبدالهادي
لو أن أحدهم نقل لنا نبأ إقدام طلبة على إحراق زميلهم بالمدرسة، وداخل الحرم المدرسي لقلنا هو مقطع من فيلم رعب أو مسلسل خارج عن المألوف، ففي هذه الحادثة نجد أنفسنا أمام جريمة أقرب لشاشات التلفزة منها للمنطق والواقع، وحتى للتصديق أن تفكير طلبة مدرسة يذهب لهذا العنف وهذا الحدث المخيف.
وزارة التربية والتعليم منذ تلقت النبأ لم تدخر جهدا لمتابعته والتحقيق بتفاصيله، وبالأمس اطمأن وزير التربية والتعليم الدكتور عزمي محافظة على الحالة الصحية للطالب «الضحية» الذي يرقد على سرير الشفاء في مستشفى البشير، الطالب اليتيم الذي تعرض لحادث حتما أدخله دائرة معتمة من الظلم والعنف وحتما لها الأثر الكبير عليه نفسيا إلى جانب الجسدي منه، فهو ضحية في مدرسة وخلال دوامه المدرسي، ومن زملاء له، وذلك يفرض عشرات الأسئلة بعيدة كل البُعد عن مرتكبي هذا الحادث، ولا لماذا قاموا بذلك، الأسئلة تتجه كلها حول المدرسة ولثقافة عنف للأسف ما تزال موجودة في أذهان البعض، والبعض هنا طلبة مدارس، بمعنى أن هناك ما يغذي هذه الثقافة وما يزال يجعلها موجودة على الرغم من كل ما يُبذل من جهود للقضاء عليها.
وزير التربية والتعليم الدكتور عزمي محافظة أكد أمس خلال زيارته للطفل الضحية وخلال لقائه والدته، أن الوزارة لن تتهاون في تطبيق الأنظمة والتشريعات التربوية التي تضمن سلامة أبنائها الطلبة، وتوفير البيئة المدرسية الآمنة في مدارسها كافة، وفي ذلك قول غاية في الأهمية لجهة تطبيق القانون والتشريعات التربوية، ففي تطبيق القانون هنا ضرورة يجب الأخذ بها على محمل التطبيق الحاسم والحازم ففي ذلك فرض لهيبة المدرسة وكما أكد الدكتور محافظة توفير بيئة مدرسية آمنة، وهذه مسألة جوهرية وحتما سيؤسس لها في قادم الأيام لما من شأنه حماية المدارس من أي سلوكيات خاطئة أو عنف أو حوادث، فحقيقة ما حدث لهذا الطالب المظلوم خطير ويجب التعامل معه قانونيا وتربويا وارشاديا ونفسيا فهي منظومة متشابكة ومترابطة يجب الأخذ بها كحزمة واحدة، ففلسفة الجزر المعزولة بمثل هذه الحوادث ستعالج جزءا من الخلل وليس كله.
والدة الطفل الضحية كم هي جبّارة، وواعية وتركت للإجراءات القانونية تأخذ مجراها، بكل عقلانية ما يعكس ويؤكد أن ابنها الضحية تربى على صالح الأعمال، والأخلاق، ويدفع باتجاه ضرورة الوقوف على قضية حرق زملاء لزميلهم بالمدرسة على شكل منظومة وليس حادثا عاديا وخلافا بين أطفال، فالأمر أكبر من ذلك، ويؤشر لضرورة وجود رؤية متكاملة لحماية الأطفال وعقول الأطفال وفي ذلك ضرورة كبيرة، من مفاهيم العنف وكلنا بذلك مسؤولون في الخطاب الديني والإعلامي والدراما والتعليمي والتربوي والأسرة بطبيعة الحال، الكل مسؤول عن حماية فِكر أطفالنا وطلبة المدارس من أي سلوكيات مشوّهة تؤذيهم وتؤذي من حولهم.
اليوم، الطالب شافاه الله تعرض لحادث بشع حتما سيؤثر عليه نفسيا وربما اجتماعيا بشكل كبير، والقضية كان قد أوعز وزير التربية والتعليم بتشكيل لجنة تحقيق وتحقّق مع العاملين في المدرسة كافة، واتخاذ جميع الإجراءات القانونية بحق المقصرين، كل ذلك حدث ونستخدم في الحديث عنه الفعل الماضي، وما هو مهم الآن استخدام المضارع بما نقول عن هذه الحادثة الأليمة التي أوجعت قلوبنا جميعا، بأمل أن لا تتوقف القضية عند هذا الحد، فما تحتاجه البيئة المدرسية اليوم «بيئة آمنة» تؤسس على منظومة متكاملة لا تلقى مهمتها على وزارة التربية والتعليم ولا حتى التعليم العالي وحدهما، إنما تتشارك بها كافة المؤسسات والجهات الرسمية والخاصة لتتوفر «البيئة الآمنة» في صورتها المطلقة.