
د.حسام العتوم
أسمع في منطقتنا العربية من يتساءل بصوت عال عن موقف روسيا من القضية الفلسطينية العادلة، ومن ضرورة قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس، ومن حل الدولتين، الفلسطينية إلى جانب إسرائيل، وكأنهم لا يعرفون بأن روسيا العظمى ليست الولايات المتحدة العظمى، وبأن في العالم أكثر من دولة عظمى مثل الصين والهند، وبأن موقف روسيا من قضية فلسطين عادل وثابت وتاريخي، ومن وسط تمسكها بالقانون الدولي تساند قضايا الشعوب المظلومة والمضطهدة وفي مقدمتها الفلسطيني الجبار، القابض على الجمر، شعب الجبارين، المغمسة مسيرته النضالية بدم الشهداء الأبرار.
ومنذ قيام إسرائيل عام 1948، وموقف روسيا من القضية الفلسطينية واضح، وليس صحيحا أن روسيا هي أول من اعترف بإسرائيل، بينما اعترفت الولايات المحدة بالحكومة الإسرائيلية المؤقتة أولا. وبلغ مجموع الدول التي اعترفت بعضوية إسرائيل في الأمم المتحدة 165 دولة من أصل 193 دولة، بينما عارضت جامعة الدول العربية قرار تقسيم فلسطين عام 1947، وقيام دولة إسرائيل عام 1948 حينها. وكلنا نعرف بأن الصهيونية العالمية التي أسسها ثيودور هرتزل هي من التفت على الأمم المتحدة وصنعت إسرائيل لتصبح دولة بلا سياج، تمارس الاحتلالات، والعدوانية، والاستيطان، وحتى النازية بلا رادع وعلى شكل عصابة، وهو ما يشاهده العالم الان. ولم يعد الفرق كبيرا من الاعتراف بإسرائيل أولا أو ثانيا.
وروسيا الاتحادية لمن لا يعرف لها حضور ديمغرافي يفوق المليون نسمة داخل إسرائيل، ومن بينهم من يخدم في الجيش الإسرائيلي، وشهدت العلاقات الروسية – الإسرائيلية توترا لدرجة قطع العلاقات في الأعوام 1953/ 1956 / 1967، بسبب العدوان الثلاثي على مصر، وبسبب رفض إسرائيل وقف اطلاق النار في حرب حزيران. ثم عادت العلاقات بينهما عام 1987 في زمن الاتحاد السوفيتي، وزار الرئيس بوتين يرافقه وزير خارجيته سيرجي لافروف إسرائيل عام 2005، وزيارات دائمة لقادة إسرائيليين لموسكو. وفي المقابل لايتساءل ناسنا عن الموقف العربي الموحد بوجود الجامعة العربية وخارج اطارها من حراك إسرائيل العدواني غير المشروع، ولا يبحثون في ضرورة الدفاع المشترك مع الدول العظمى نووية السلاح الصديقة للعرب والمنصفة لهم.
وقرر رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين الانتصار للخطة الأمريكية – خطة ترامب، الخاصة بحرب غزة، شريطة أن توصل لضوء نهاية نفق الصراع الفلسطيني والعربي مع إسرائيل، وصولا لبناء دولة فلسطين وعاصمتها القدس، والرئيس بوتين يؤمن بحل الدولتين الفلسطينية إلى جانب إسرائيل،و بضرورة التزامها بحدود الرابع من حزيران لعام 1967، وهو مطلب مشروع وشرعي أقره القانون الدولي عبر مادته 242 التي انتجت هنا في الأردن بالمناسبة وسط العرب، وكثيرون ربما لا يعرفون بذلك. وجاء توجه الرئيس بوتين هذا وسط حديثه على هامش حوار ” فالداي ” في مدينة سوتشي على ضفاف البحر الأسود الخميس الفائت 2/10 / 2025 تحت عنوان ” عالم متعدد الأقطاب ” وسط محاور شملت ( العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، والملف الأوكراني، والصراع الفلسطيني، والأمم المتحدة ).
وفي المقابل، يأتي حديث الرئيس بوتين هذا في الشأن الفلسطيني وسط سعير هجمة سياسية وإعلامية شنها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب على روسيا عبر تحريضه من جديد لنظام أوكرانيا بقيادة الرئيس المنتهية ولايته فلاديمير زيلينسكي للمطالبة بحدود عام 1991 حيث الاستقلال، وحتى بإجتياح روسيا، والوعد بتزويد ” كييف ” بمعلومات لوجستيه تفيده في حربه السرابية ضد روسيا، وهي الحرب التي تشنها دول حلف ” الناتو ” الخمسون، وليست حربا بين الجيشين الروسي والأوكراني فقط كما يشاع. والرئيس ترامب الذي استقبل الرئيس بوتين بحفاوة وترحيب ملاحظ في إقليم ” ألاسكا ” الأمريكي – الروسي الأصل إنقلب عليه ثانية، وهو جاهز للإنقلاب عليه ثالثة ورابعة، وروسيا بوتين اعتادت على هكذا توجه سلبي غير مسبوق، ومعتبرة إياه طرفة. والمعروف، هو بأن روسيا دولة عظمى متفوقة على العالم، وعلى حلف ” الناتو ” في السلاح النووي، وهذه المعلومة حقيقة وليست دعاية، وفي شرق العالم أكثر من دولة عظمى مثل الصين الشعبية والهند. ولم يعد العالم قطبا واحد برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وإنما متعدد الأقطاب. ومطالبة روسية قادها وزير خارجيتها سيرجي لافروف لنقل الأمم المتحدة من النييورك إلى سوتشي تماما كما طالب سابقا الزعيم السوفيتي المنتصر في الحرب العالمية الثانية جوزيف ستالين.
والسؤال العريض الذي يطرح نفسه فوق طاولة الشرق الأوسط والعالم الان، هو هل إسرائيل الشريك في خطة ترامب – الخطة الأمريكية جادة بالذهاب إلى سلام حقيقي مع الفلسطينيين،و مع حماس حركة المقاومة العربية الإسلامية المعروفة لموسكو هكذا، والتي سبق استضافتها هناك، هل ستعترف حقا بالدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس ؟ وهل ستتخلى إسرائيل عن طموحاتها السرابية الهوجاء بكل ما يتعلق بإسرائيل الكبرى ؟ لقد أبدت حماس جاهزيتها تسليم كامل أسرى إسرائيل بما في ذلك جثث القتلى منهم، وهو مطلب كان من الممكن تنفيذه في وقت سابق أيضا،وهو الذي شجع إسرائيل على قتل نحو مائة ألف فلسطيني معظمهم من المدنيين والأطفال وعن سبق اصرار وترصد، ولازالت تمارس القتل في وضح النهار وأمام أعين المجتمع الدولي، ولا تبالي أمام سفن السلام التي اعترضتها مؤخرا بالقرب من شواطيء غزة. ومن يضمن سلوك إسرائيل فيما بعد !
و بطبيعة الحال، الغرب، لايريد لروسيا – بوتين دورا متقدما في شأن فلسطين، التي تصر على أن القضية الفلسطينية عادلة ويجب أن تصل ليوم قيام دولة فلسطين، رغم أن الحق الفلسطيني يشمل كل فلسطين بما في ذلك فلسطين التاريخية وكامل القدس. فنشاهد حملة غربية مسعورة على روسيا بحجة هجمات كاذبة يعتقد أن روسيا تشنها عبر مسيراتها على أوروبا، وهو الذي نفته روسيا – بوتين ولافروف. وأثبتت روسيا بأنها ليست بحاجة لمثل هكذا تطاول على أوروبا وحلف ( الناتو )، وأنها باحثة عن السلم والسلام العالمي، والحقيقة لا تغطى بغربال.ولقد تحولت أمريكا ومعها أوروبا في كل ما يتعلق بالدولة الروسية لمدرسة مشاغبين، ولا يردون معا لها بأن تستمر ناهضة قوية عسكريا واقتصاديا، وهم من قرروا النخر في جسمها عبر تمسكهم غير الحميد بشخص فلاديمير زيلينسكي الفنان البهلواني والسياسي المراهق، وينضم لجوقة الغرب رئيس جمهورية أذر بيجان إلهام ألييف لأسباب غير واضحة ومن الممكن تجازوها خدمة للعلاقات الأذرية – الروسية الواجب أن تبقى صلبة متينة.