د.عمر مقدادي
النكبة الفلسطينية والمشروع الصهيوني
الدكتور عمر مقدادي
تتوالى المناسبات الحزينة في ذاكرة الأمة وذاكرة الشعب الفلسطيني وأولى هذه المناسبات الحزينة هي نكبة الفلسطينيين في ذكراها السبعين، حيث ضياع فلسطين وحلول كيان احتلالي إحلالي بدلًا منها، اغتصب أرضهم، وهجّر أهاليهم، واحتل مقدساتهم، إلى غير ذلك من مفردات التغريبة الفلسطينية التي تتجدد مع كل انتهاك يقترفه الاحتلال الإسرائيلي الغاشم في مختلف الأراضي الفلسطينية، أما المناسبة الحزينة الثانية فهي نكسة فلسطين، فهي مضمون الهزيمة النكراء التي حلت بأمة العرب على ملء السمع والبصر، لم تحافظ على ما تبقّى من فلسطين، بل ضيّعوها، وضيّعوا معها مساحات شاسعة من بلادهم في أيام ستة، وتعرف بحرب حزيران 1967م، والتي ما زالت إسرائيل تتغنى بها حتى اليوم وإلى أجل غير مسمى، وتعد النكبة الفلسطينية عام 1948، والتهجير القسري الجماعي للشعب الفلسطيني من قبل الحركة الصهيونية بدعم من بريطانيا والسيطرة بقوة السلاح على القسم الأكبر من فلسطين وإعلان قيام إسرائيل، وفي الخامس عشر من أيار من كل عام يُحيي الفلسطينيون بكل ألم ومعهم أبناء الأمة ذكرى النكبة، التي تختزل مراحل من التهجير التي اقتلعت الفلسطينيين من أراضيهم وأصبحت أملاكها ومزارعها جزءًا من دولة الاحتلال، كما تعيد ذكرى النكبة آلاف الفلسطينين الذين لقوا مصرعهم في سلسلة مجازر وعمليات قتل ما زال معظمها مجهولا، وأدى هذا الحدث الأليم إلى ظهور أزمة اللاجئين الفلسطينيين حيث بات ثلثا الشعب الفلسطيني مشرداً في المنفى.
لم تبدأ النكبة الفلسطينية عام 1948، وإنما قبل ذلك بكثير، ففي عام 1799 خلال الحملة الفرنسية على العالم العربي نشر نابليون بونابرت بيانًا يدعو فيه إلى إنشاء وطن لليهود على أرض فلسطين تحت حماية فرنسية بهدف تعزيز الوجود الفرنسي في المنطقة، ولم تنجح خطة نابليون في ذلك الوقت إلا أنها لم تنته، حيث أعاد البريطانيون إحياء هذه الخطة في أواخر القرن الـتاسع عشر، وتحديدًا بداية من 1897 حين دعا المؤتمر الصهيوني إلى إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين بعد الانتداب البريطاني، وفصولها بدأت حين خانت بريطانيا وعودها للعرب بمنح الاستقلال لبلادهم بعد إنهاء الحكم العثماني، وأصدرت على لسان وزير خارجيتها (وعد بلفور) في 2 تشرين الثاني 1917 الذي “ينظر بعين العطف” إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
لقد أسفر الإعلان عن إقامة “دولة إسرائيل” مباشرة عن بدء الحرب بين الكيان الإسرائيلي والدول العربية المجاورة. وفي 26 آيار 1948، حيث أقيم ما سمي بجيش الدفاع الإسرائيلي بأمر من “ديفيد بن غوريون” رئيس الحكومة الإسرائيلية المؤقتة. وتدفقت الجيوش العربية من مصر وسوريا والعراق وإمارة شرق الأردن على فلسطين ونجحت القوات العربية في تحقيق انتصارات، واستمرت المعارك حتى تدخّل مجلس الأمن الدولي وفرض وقفاً لإطلاق النار في 10 حزيران 1948، وتضمن حظر تزويد أي من أطراف الصراع بالأسلحة، ومحاولة التوصل إلى تسوية سلمية، وعقب هذا القرار الدولي توقف القتال بين الجيش الإسرائيلي والجيوش العربية النظامية، وتم تحديد الهدنة لمدة 4 أسابيع. وفي 8 تموز 1948 استأنف الجيش الإسرائيلي القتال في جميع الجبهات رغم محاولات الأمم المتحدة تمديد مدة الهدنة، وعندما استؤنفت المعارك من جديد، اتخذت المعارك مساراً مختلفاً وتعرضت القوات العربية لسلسلة من الهزائم واستطاعت “إسرائيل” فرض سيطرتها على مساحات واسعة من أراضي فلسطين التاريخية، وانتهت المعارك في 21 تموز بعد أن هدد مجلس الأمن بفرض عقوبات قاسية على أطراف الصراع، وهنا فقد ما يزيد عن سبعمئة ألف فلسطيني منازلهم وممتلكاتهم ومزارعهم وأعمالهم وبلداتهم ومدنهم حيث أجبرتهم الميليشيات الصهيونية والجيش الإسرائيلي لاحقًا على الرحيل بهدف خلق “دولة” ذات أغلبية يهودية في فلسطين، ثم عمدت “إسرائيل” إلى نقل اليهود بسرعة إلى منازل الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم، ونظر القادة اليهود إلى عملية التهجير والتطهير العرقي بوصفها خطوة ضرورية لتأسيس “إسرائيل”، حيث تحدثوا علناً عن الحاجة إلى الصدامات العسكرية لترحيل أكبر قدر ممكن من الفلسطينيين لتغيير الواقع الجغرافي والاجتماعي على الأرض، وحتى اليوم لا زالت تتواصل عمليات الطرد والتهجير القسري التي تمارسها حكومات “إسرائيل” المتعاقبة بحق الشعب الفلسطيني من خلال هدم البيوت في القدس والضفة الغربية وتدمير آلاف المنازل كما حدث خلال الحروب العدوانية الأخيرة التي شنها الجيش الإسرائيلي الصهيوني على قطاع غزة والحصار الظالم على شعبها، ومصادرة الأراضي وضمها لغرض بناء جدار الفصل العنصري على أراضي الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية والاعتداء على المسجد الأقصى، وما زال الصهاينة يتفننون في احتلال فلسطين احتلالاً كاملاً على مرأى العالم والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، ولعل من آخر مظاهر تكريس الاحتلال نقل السفارة الأمريكية إلى القدس تحت الغطاء والدعم الأمريكي، وما يمثله هذا الحدث من تغيير في النهج السياسي للولايات المتحدة الأمريكية إزاء الصراع العربي الإسرائيلي ورعايتها لعملية السلام في الشرق الأوسط .
إن هذه الذكريات المؤلمة في تاريخ الشعب الفلسطيني وتاريخ الأمة العربية والإسلامية والأحداث المتجددة ذكراها في كل عام، بعد مسيرة سياسية طويلة تنتهج السلام بين أطراف الصراع، لم تحقق أي هدف للشعب الفلسطيني، تطرح أسئلة مشروعة وهامة حول مكانة الدول العربية والفلسطينيين على خارطة العالم السياسية، وما هو الحيز الذي يشغلونه ودائرة التأثير في دوائر صنع القرار الإقليمي والدولي، وكيف لهم أن يفرضوا على متخذي القرار أجندتهم الوطنية والقومية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ورعاية المقدسات الإسلامية في القدس التي يرعاها الهاشميون بالشرعية التاريخية والدينية. ومع مشروعية هذه الأسئلة وحالة الضعف العربي ما زال الأردن في كل المنابر الإقليمية والدولية قيادة وشعبًا يقف موحدًا بكل حزم مع حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وحل الدولتين وحق العودة وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
حمى الله هذه الأمة من كيد أعدائها وحمى الله الوطن الأردني.