
ايمن الشبول
قبل حلول منتصف الشهر ، تلفظ محافظ الموظفين أنفاسها الأخيرة ! فيركنها الموظفون في إحدى زوايا بيوتهم ؛ ولكنهم يحتفظون ببطاقة الصراف الآلي في جيوبهم ، ليكونوا جاهزين لقنص رواتبهم القادمة في لحظة نزولها … !!!
وفي العشرة الآواخر من كل شهر ؛ يبدأ الموظفون بشن غاراتهم المكثفة على الصراف الآلي ؛ غارة يحركها الطفر والفقر ؛ وغارة يحركها ؛ ( رب ولعل وعسى ) ؛ … أما الغارات الأعنف للموظفين ؛ فهي الغارات التي تعقب إشاعة أو دعاية عن نزول الرواتب … !!!
بين الكر والفر والتأهب والترقب والاستنفار ، يمضي الموظف أيام شهره الأخيرة ؛ وكلما فترت همته أيقظها طابور من المتجمهربن أمام صراف آلي معين … وبسرعة كبيرة يندفع الموظف خلف الناس المتجمهرين ؛ ويدخل بطاقة صرافه وهو يردد بلهفة„ : يــــــا فــرج اللـــــه … ! يــــــا فــرج اللـــــه … ! ؛ فإن حصل على راتبه ؛ تهلل وجهه واستبشر ؛ وإن خيب الصراف اللعين ظنه ؛ بدت عليه الكآبة والضجر … !!!
ولكن لا طريق أمام الموظف وسيعيد الكرة ؛ صباحا” ومساء” وعند الظهيرة … ! ؛ وكلما هم بإدخال البطاقة ردد وبلهفة„ : يـــــا فــــرج اللـــه … ! يـــــا فـــــرج اللــــه … !
فإن أستجيب لمطلبه ، شعر بالإنتصار وجلب لأهله الغنائم … ولكنه انتصار لن يعمر طويلا” ، فالهزيمة ستتكرر قبيل منتصف الشهر … !!! ؛ فمتطلبات الحياة أكبر بكثير من الموظف البسيط ومن راتبه … ومهما فعل الموظف وخطط ورسم ؛ ومهما قنن وتفنن ؛ فراتبه لن يكفيه وأسرته لمنتصف الشهر … وأي مناسبة أو مفاجئة تواجهه في حياته ستعقد الأزمة وتكدر المشهد … !!!
المطالب والفواتير والالتزامات على الموظف ليست سهلة ؛ وراتبه البسيط سيخذله ولن يكمل شهره … ! ؛ وفي لحظة معينة فلا بد للموظف من الإستدانه … ! ولكن ؛ من الذي سيقرضه … ؟ وأكثر الأثرياء وأصحاب الأرصدة تحولوا إلى بنوك متنقلة ؛ يقرضون ويشترون وعلى نظام المرابحات الإسلامية وغير الإسلامية … !!! …سيتذكر الموظف نصيحة الأجداد القديمة : ( ما حك جلدم مثل ظفرك ) … وعندها سيذهب لبنكه المعني للكشف على راتبه ؛ وهذا علاج مخدر ولحظي وله أخطاره … ؛ فالبنك المعني لن ينتظر ، وسيقتص من راتب الموظف عند لحظة نزوله ؛ وعندها ستتفاقم مشكلة الموظف لتصبح أكبر … !!!
الموظفون الشرفاء والبسطاء ينقصهم الكثير ولديهم الآمال والأحلام الكثيرة ؛ وبعضهم تقاعد وانتهت خدماته وهو يحلم بحياة وظيفية أجمل …. بعضهم كان يحلم براتبين في نهاية العام وعلى غرار بعض المؤسسات والشركات ؛ … وبعضهم كان يحلم بسكن كريم ينقذه من عناء الإيجارات … وبعضهم حلم بطرد تمويني يأتيه كل فترة … وبعضهم حلم بعيدية رمزية تفرحه مع أبناءه … ! … أحلام كثيرة لم تجد التعبير ولا التأويل ولا التفسير … !!! .
حياة الموظف البسيط أشبه بحياة السجين أو الأسير ؛ فهو يستعجل مرور الأيام وينتظر بلهفة„ ساعة الفرج … الموظف البسيط حياته نصف حياة وشهره تصف شهر … !
كان الله في عون الموظف البسيط وهو يطارد راتبه المتمنع … كان الله في عونه كلما وقف أمام الصراف الآلي وردد بلهفة„ :
يــــــا فرج اللـــــــه … ! يــــــا فرج اللـــــــه … !