رمزي الغزوي
ترى القاعدة التسويقية الخطيرة أنه إذا لم يدفع الناس مقابلاً لاستخدامهم وسيلة اتصالية ما؛ فإنهم هم أنفسهم يكونون السلعة التي تباع وتشترى وتسوّق. أي بمعنى أكثر ألماً ووجعاً نحن سلعة رائجة لمواقع التواصل الكبرى وآتساب وفيسبوك وتويتر وانستخرام وأخواتها. إننا دجاجهم الذهبي البيّاض الفيّاض.
وعملياً نحن قد وافقنا على منح بياناتنا حين قبلنا أن نستخدم التطبيق أول مرة على كافة شروطه، ولهذا فلا داعي للقلق هذه المرة أيضاً. فنحن مكشوفون أكثر مما نتصور وأعمق مما نتخيل.
فهذه المواقع تبيعنا بطريقة عجيبة غريبة. فإن كنت مثلاً تحب الهندمة والموضة؛ فستجد أن إعلانات دور الأزياء تنصب عليك صبح مساء، وإن كنت مغرماً بالوجبات السريعة؛ فستتدحرج حبة برغر كبيرة في طول صفحتك وعرضها، وإن كنت بأسنان يشوبها الصّفرة؛ فسيتصل بك عملاء مراكز التبييض والزراعة ليقدموا عروضهم أما إن كنت بلا شعر؛ فعليك أن تلقّي عن رأسك عروض زراعة الشعر، وبمواصفات لم تكن تخطر في بال أحلامك.
نحن نعيش عصر الانكشاف، حتى ليشعر الواحد أن كريات دمه متاحة لركلات عالم مجنون. نحن في بيت زجاجي لا يُخفي شيئاً. ترصدنا وتقتنصنا الكاميرات أنى ولينا. فاحذار الأخ الأكبر وسلطانه السليط. ففي القريب سيتمنى الواحد لو أنه ما عاش ثورة الاتصال الخامسة التي جعلت منه كائناً متاحاً يقطن على مقربة كبسة أزرارأنت لا تستطيع الاختباء مهما أُتيت من خفايا وزوايا.
عالمنا اليوم بات أصغر من القرية التي تنبأ بها عالم الاجتماع الكندي مارشال ماكلوهان. عالم صغير ومكشوف مفضوح لا تغيب شاردة فيه أو واردة كلُّ شيء مشاع ومتاح من قتار الطعام ودخانه إلى أسرار البيوت وهفهفات النفوس.
وهنا سنتذكر الأخ الأكبر في رواية «مزرعة الحيوانات» لجورج أورويل الذي دلّل بها على الكيفية التي تفرض السلطة هيمنتها على الناس فكراً ومراقبة.
أنت أيها الإنسان مكشوف مرصود للجميع، للسلطات والشركات والأفراد. هم يعرفونك تماماً، ويحفظون أسماء أولادك وصفوفهم الدراسية والجامعية، وأمراضهم الوراثية، وعدد أزرار قميصك الوردي، ولون بطانة دشداشك، وأين اختفت فردة جوربك المثقوب. نحن نهيم في عالم بلا أسرار.