د.منصور محمد الهزايمة
المرياع…هل هو صناعة عربية؟!
بقيت حياة الراعي ردحا من الزمن تتسم بالشقاء، حيث يقضي معظم وقته في المحافظة عليها ولم الشاردة منها، يردعها ويجلبها إلى الطريق السوي، ولا شك أن هذا كان يرهق بدنه وأعصابه، فكان يتصرف مع الغنم بعنف، يرمي هذه بحجر، ويضرب تلك بعصا، مما جعل البعض ممن هم حوله يعترض عليه، ويسمه بالوحشية والعنف، ويتعرض للعديد من المشكلات.
أرق ذلك الراعي، وتركه مهموما حزينا، خائفا على مصدر رزقه، لم يعد ينام الليل رغم شقاء النهار، شكا همه لكثير ممن هم حوله لم يجد منهم غير معسول الكلامِ الذي يعني الاستمرار في تجرع مر الصبر.
تيقن من مقولة لا يحك جلدك مثل ظفرك، لذا أشغل نفسه وفكره في الخروج من حاله البائس، وعزم على مشورة نظرائه من الأشقياء.
ذات يوم لمعت الفكرة كوميض البرق، وما اشبه العقل بالبرق، حيث يضرب في لحظة في كل الاتجاهات، جلس مع بعض الرعاة يشرح لهم: نعين قائدا من الغنم، تهابه وتخضع له، وعندها نكون نحن الرعاة قد ودعنا الشقاء باختصار جئتكم باكتشاف اسمه المرياع أدهشهم فسألوا: وما هذا؟!
المرياع هو أحدها، لا يختلف في شيء عنها، لكننا سنضفي عليه هالة تجعل الاغنام تنبهر به، فنترك صوفه دون جز، وندع قرونه دون قص، ليبدو ضخما ومهابا، ونضع في رقبته الأجراس والشرائط الملونة، ليبدو أجملها فيمثل القائد بكل ما تعني الكلمة من بهرجة، سألوا ثانية وقد بدا عليهم عدم الاقتناع: هل هذا كل شيء؟
طبعا لا، بل علينا أن نخصيه ومن غير حليب أمه نسقيه لينس شهوته ولا يوفر أحدا عندما ينطح وحتى نضمن ألا ينطحنا يوما نرويه من حليب الحمير وعندها يتبع الحمار في الحل والترحال.
أعجب الرعاة بالفكرة، وعزم كل منهم على انتاج المرياع بكل دقة، وبعد أشهر قليلة كان لكل منهم مرياع يفخر به، وحان وقت العمل، في البداية لم يلتزم القطيع تماما خط السير خلف المرياع، لكن كلاب الحراسة المتحفزة أعادت التائهة منه إلى جادة الصواب، وبعد قليل بدأت تسير الأمور كما يشتهي الرعاة، ونجحت الفكرة نجاحا باهرا، مما جعل الرعاة يتساهلون في عملهم، ثم تطورت الأمور حتى بات الإهمال عنوانا، فقد اعتمد الراعي على الحمار في رأس القطيع، يليه المرياع، والكلب ينهش القطيع، فيتهم الذئاب، وهكذا تُرك الحبل على الغارب.
ما أجمله من نظام صنعه بيديه، الحمار يتحرك، يتبعه المرياع، فتدق الأجراس، فينطلق المسير ورأس القطيع إلى الأرض، وصولا إلى المرعى، طلبا للكلأ والماء، بعضها يشرب ويأكل، وأكثرها تعود خاوية البطون، لا تلوي على شيء، لكن أصواتا خافتة غريبة بدأت تسمع بمرور الوقت لم يعرها أحد اهتمام.
سر الراعي بما آلت اليه الحال، فازداد ثقةً بحماره ومرياعه ونظامه، وأخذ يترك المرعى أغلب الوقت، بل يسعى خلف أعمال أخرى، وانتشى حد السكرة، ونسي واجباته وفي يوم من الأيام، صعقه خبر مريب، فقد ثارت الغنم من شدة الجوع، ومن سوء ما وصلت اليه الحال، فلم تعد تأبه بشيء، وأيقنت أن ليس بالإمكان اسوأ مما كان.
هرع الراعي إلى المرعى، لا يصدق ما سمع، وجد الفوضى تعم المرعى، لم تعد الغنم تخاف أو تنبهر أو تطرب، توحدت وهاجمت الحمار والمرياع، حاول أن يعيد الامور الى نصابها، لكن هيهات لم تعد الغنم تنصت أوتهتم بأي كان، هاجمته الأغنام الهائجة، أصيب الراعي، ومات بعضها، لكنها أخيرا تحررت، وسعدت بحريتها، وما لبث أن جر الراعي إلى مصيره المحتوم، فانقلب السحر على الساحر، وهذا مآل كل من لا يرعى حق الله في رعيته.