د. سامي الرشيد
المبادئ والثوابت السياسية العربية
أن مايتناوله شبكات التواصل الأجتماعي ،ان ما يدعى صفقة القرن الأمريكية ،بشأن القضية الفلسطينية ،سيقترح على العرب بناء وطن فلسطيني بديل ،يشمل أرض غزة وحوالي نصف صحراء سيناء ،ويعطي للأحتلال المغتصب 75%من فلسطين التاريخية .
هذه أحلام أمريكية لأدارة وطن العرب وفرض وصاية على امة العرب .
ان غياب الثوابت والألتزامات الواضحة ،جعل الصراع العربي- الأسرائيلي التاريخي ،الذي مات من أجله الألوف وضحت الأمة في سبيل حله بالغالي والرخيص ، ساحة ظلام دامس وفوضى لا تحكمها مبادئ ولا معايير ولا التزامات قومية او اخلاقية او انسانية
أما الموقف العربي من الهجمة البربرية الارهابية ،المسماة زورا بالأسلامية على كل الوطن العربي وكل مجتمعاته ،بعدمرور تلك السنين لهذه الظاهرة ،وبالرغم مما أحدثته من دمار عمراني ومجازر بشرية ،وبالرغم من ثبوت ارتباط قيادتها بالمخابرات الأجنبية الراغبة في انهاك الشعوب العربية وتجزئتها ،وبالرغم من كل ذلك لاتزال مواقف الدول العربية بالنسبة لهذا الموضوع متباينة أو متضادة الى أبعد الحدود.
ما زالت بعض الأنظمة العربية تدعم هذا الفصيل أو ذاك في هذا البلد العربي أو غيره نكاية بهذا البلد العربي أو خدمة لهذه الدول الأستعمارية .
لقد كان غياب المبادئ السياسية العربية المشتركة والالتزامات القومية الواضحة ،للتعامل العربي المشترك مع هذا الموضوع فيؤ الحياة العربية الحديثة فضيحة من فضائح الزمن العربي ،فلا الجامعة العربية نجحت في وضع تلك الثوابت والالتزامات ولا مؤسسة القمة العربية تعاملت مع الموضوع بمسؤولية وضمير حي .
الى اليوم والى الغد المنظور ،تبقى الارادة العربية المشتركة عاجزة امام هذه الظاهرة التي تهدد بزوال اوطان وتفتيتها واخراجها من التاريخ أو تسليمها لقمة سائغة لأسرائيل ،المستعدة لأبتلاع المزيد من ارض العرب .
ان الاتحاد الاوروبي ما كان لينجح في الوصول لما وصل اليه بالرغم من كل مشاكله ،لو لم يتفق منذ البداية على ثوابت مبدئية وسياسية والتزامات لا يتخطاها أحد،وعلى العرب ان يتعلموا من ذلك الدرس.
ان الوطن العربي يمتد على قارتين وموقعه الأستراتيجي المتوسط بين أوروبا وافريقيا وآسيا ،والثروات الكبيرة التي يتمتع بها فانها دول اذا اتحدت فانها قوة ،واذا تكاملت فلا احد يقدر لها،وعكس ذلك هو التآكل والتفتت والضياع .
حتى نسعى للتكامل فلا بد لنا من التفكير الصحيح ،حيث هناك عدة أنواع من التفكير،الأبداعي والأيجابي والمعرفي والناقد التقليدي والواقعي والسلبي .
فالتفكير الأيجابي يعنى بمراقبة الأفكار واسبعاد السلبية منها ،وتحديد الأهداف وترتيبها حسب الأولوية ،الى جانب الابتعاد عن السلبية والتمهل لحظة الأنفعال واختيار ردة الفعل المناسبة .
أما التفكير الابداعي فمهمته تستند الى العناصر التي تتمثل بالخروج من المحيط ،الألعاب،الذهنية،والبدء في صنع اي شئ .
يؤثر على التفكير الابداعي عدمك ثقة الفرد بنفسه فتجعله يحجم عن المغامرة،ويفقد بذلك سمة من اهم سمات الأبداعي وهي الشجاعةفي الوصول للهدف لنبني الاوطان وتكاملها .
أن امتلاك القدرة على التفكير السليم ،هو الاساس ليس لمن يعملون في السلك الجامعي أو مراكز البحوث فحسب،بل لسائر مواطني الدولة.
مثل هذه الامور تمكن الشخص من الأرتقاء بحيويته الخاصة ،ومجتمعه،حين يفهم الأمور على الوجه السليم،ويمتلك منعه حيال اي اسلوب للتلاعب بعقول البشر ويتفاعلون سريعا وبايجابية مع كل اشارات أو تصرفات أو تدابير تقوم بها الادارة ،ويكون من شأنها تحقيق المصلحة العامة .
الأمية المنهجية التي تعني غياب طريقة منضبطة وعملية في التفكير ،تلك لا علاقة لها بمستوى تحصيل المعلومات ،الذي البعض في تقدير اهميته الى درجة انه قد جعل منه الثقافة نفسها ،وصار المثقف هو الذي قطف من كل روض زهرة ،أو الذي ان سألته عن معلومة ما في اي تخصص أو مجال ،وجدت الأجابة عنده أو طرفا منها أو ما يشبهها على الاقل .
في هذا تمجيد للذاكرة مع أنها على أهميتها أقل الملكات العقلية البشرية ،مقارنة بالقدرة على الفهم والربط والادراك والادراك والابتكار لتكون شعبا مدركا وفاهما .
هناك من الزراع والصناع والتجار البسطاء من رزقت عقولهم بتفكير منطقي ،يعينهم على حل مشكلاتهم الحياتية البسيطة والمعقدة ،وهناك من بين الدارسين والمتعلمين من يتخبطون في عشوائية التفكير ،ويعانون من تشويش الذهن ،وتستعصي عليهم أدنى المشكلات التي تعترض طرقهم .
لهذا نجد فلاحا ناجحا في مهنته ولو انه لا يعرف القراءة ولا الكتابة ،بينما نجد باحثا أو استاذا جامعيا عاجزا عن أداء ما هو منوط به على أي وجه صائب .
لكن حين يتعلم الشخص كيف يستعمل أدوات التفكير العلمي في التعامل مع مشكلاته البحثية والحياتية فانه ينجح.
ان العلم يتسم بالنسبية وينفر من الأخلاقية والوثوقية ويلهث دوما وراء التحقق من المعلومات ،وهو أيضا يتعامل مع المعرفة بوصفها ذات طابع تراكمي ويتسم بالموضوعية التي تخفف من تأثير الذاتي وتحيده،وينزع الى وضع كل شئ موضع المساءلة .
هذا لا يكون فقط بعرض شروط التفكير العلمي وحفظها ،انما التدرب عليها والتفاعل الخلاق بين أجيال الباحثين ،والطموح الكامل الى بلوغ آفاق جديدة ،وبهذا سنخلق جيلا يفكر تفكيرا خلاقا ويدعو الى وحدة متكاملة .