الدكتور محمد حسين المومني
ملف القدس سیتم توظیفھ بشكل كبیر لكسب الأصوات في الانتخابات الإسرائیلیة. التطرف سیكون سید الموقف؛ ستطلق الوعود، وترتفع التوقعات، ولن یكون للمنطق أي مكان في النقاش الانتخابي الذي یتوقع أن یكون محتدما.
نتنیاھو وحزبھ سیذكران جمھور الناخبین بإنجاز نقل السفارة الأمیركیة إلى القدس، وسیطلق مزیدا من الوعود بإنجازات تتجاوز كل التفاھمات السیاسیة ومنطق التسویة. سیحصد نتنیاھو وحزبھ الأصوات وھم یقدمون أنفسھم على أنھم
حققوا اختراقات كبیرة في ملف العلاقات الإقلیمیة وملف القدس.
في ھذه المرحلة الزمنیة الحساسة التي یتم فیھا توظیف أوراق الضغط، على اختلافھا، بدقة متناھیة، یتوجب ألا یكون ھناك أي تصریحات أو قرارات یمكن لنتنیاھو توظیفھا لصالح معركتھ الانتخابیة، أو أن یظھر أمام ناخبیھ على أنھ المنافح عن حلم الیمین الإسرائیلي بالقدس.
الإطار الاستراتیجي للتعامل مع ھذه المرحلة یجب أن یسعى إلى إظھار نتنیاھو لأنھ یطیح بأمن بلاده ویعمق مشاعر العداء لھا بسبب رعونتھ في التعامل مع ھذا الملف الخطیر، فھو یؤلب شعوب العالم العربي والإسلامي والشعوب المحبة للسلام ضد إسرائیل، ویظھر إسرائیل دولة دینیة متطرفة بات الیمین فیھا یملي الأجندات السیاسیة التي لن تجلب إلا الدمار واللااستقرار.
بالتزامن مع رفع درجة الحذر والدقة، لا بد من تصریحات عربیة واضحة ومستمرة تؤكد مواقف الدول الدقیقة تجاه القدس والقضیة الفلسطینیة، خاصة من تلك الدول التي یعتقد نتنیاھو خاطئا أن القدس لیست أولویة لدیھا. ثمة ضرورة ملحة في مرحلة الانتخابات الإسرائیلیة لتعریة إیحاءات نتنیاھو أنھ استطاع أن یقفز عن التسویة مع الفلسطینیین، وبدأ بالاشتباك مع الدول العربیة ضمن أجندات إقلیمیة أمنیة أكثر الحاحا. یجب توضیح أن ھذه الإیحاءات ما ھي إلا أحلام یقظة وتدل على عدم حكمة أو معرفة بعمق تأثیر القضیة الفلسطینیة، وملف القدس بالتحدید، في الوجدان العربي والإسلامي. أوھام نتنیاھو لا بد أن یتم تفنیدھا، وألا یسمح لھ بتوظیفھا لكسب أصوات الناخبین، وكل المطلوب لعمل ذلك الإفصاح وبوضوح عن مواقف الدول العربیة تجاه القدس والتأكید على الالتزام بمبادرة السلام العربیة ومرجعیات عملیة السلام. المحیط العربي معني بتفكیك أكاذیب نتنیاھو في أنھ سائر بالعلاقات مع العرب دون
النظر للملفات الشائكة والتسویة مع الفلسطینیین، لأن ھذه الأكاذیب ستتحول لحقیقة انتخابیة إن لم تجد من یوقفھا ویفندھا.
یقف الأردن والفلسطینیون، والمقدسیون منھم على وجھ الخصوص، وحیدین في المواجھة المیدانیة لسیاسات نتنیاھو في القدس، وقد تحقق النجاح في كثیر من الأزمات عن طریق توظیف أوراق ضغط مھمة لتثبیت الوضع والمكانة التاریخیة للمدینة المقدسة. الأردن یقوم بھذا الدور بالنیابة عن الأمتین؛ العربیة والإسلامیة، ورأس حربة لھم، ولكن تبقى القدس محتلة من قبل إسرائیل التي لھا الغلبة المیدانیة ھناك، لذلك فتوظیف أوراق الضغط الأردنیة یجب أن یكون مسنودا بأخرى عربیة وإسلامیة، وبطریقة راشدة ووازنة ترسخ الأوضاع التاریخیة للقدس، وتجرد نتنیاھو من إمكانیة استغلال ھذا الملف لتعبئة الیمین الإسرائیلي وأصواتھ.