د. سامي الرشيد
كتاب
ما معنى وجود الجامعة العربية التي تأسست عام 1945مع تأسيس منظمة الامم المتحدة ،ولماذا الخلاف بين الدول العربية ،ولماذا لا يقفون صفا واحدا ضد المعتدي ،حيث التفكك في ليبيا والحرب في سوريا، الدمار في العراق ،الانهيار في اليمن ،التقسيم للسودان والغموض يحيط بدول أخرى .
من هو وراء ذلك وما هي المخططات الارهابية المدروسة التي تحيط بنا .
ان اختلاف الرأي والرؤية السياسية ،لا يعني انقلاب الدول وانقسامها على بعضها .
أين حكماء العرب واصحاب الفكر المستنير الذين يؤيدون روح الاخوة والترابط بعيدا عن المغانم السياسية والافكار الهدامة التي تسببت في حالة الشتات العربي وضياع الامة العربية .
ان المرحلة بحاجة ان تقف جميع الشعوب بوضع النقاط على الحروف وتعيد كيان الوحدة من جديد بما يجمعهم من أرض واحدة ولغة واحدة ودين واحد وعرق واحد ،نشأت به القومية العربية للدفاع عن هذا الكيان الكبير من المحيط للخليج .
لذلك لن يحافظ علينا ترامب ولن يدافع عنا بوتن وميراكل ،فالظاهر هو الدمار والباطن هو الابادة .
لماذا لا نفيق ونعمل لصالح اوطاننا وننتمى لها ولماذا نتبع اوامر الدول التي ليس لها الا مصلحتها في دمارنا وتفتيتنا .
لكن هل نعود الى الليبرالية التي عمرها قرن واحد ,حيث بدأت تنتشر عبارة ماذا بعد؟
وكأننا ندرك في عالم بالغ القدم ،أننا متأخرون او لاحقون ولم نعد نفكر -ماذا بعد – ونكمل ما سبقنا ،ولكن ما يلي ننزع عنه طابعه ولونه ونطعن به .
فما بعد العلمانية ،نرى العالم لا يتجه الى الخروج من الدين كما حسب الاوروبيون ،وما بعد الحداثة تعلن اخفاق مشروع الحداثة والانوار، وما بعد الديموقراطية هو نظام تنقلب فيه القرارات من ايدي الجسم الانتخابي وتؤول الى مؤسسات غير منتجة خارج المحاسبة ،واكثر عبارة تقع عليها اينما بدل المرء نظره هي عبارة (ما بعد الوقائع )والحقيقة التي هي سبب الضيق والقلق السياسي .
لكن في الماضي كانت الحقيقة والأكاذيب ،واليوم لدينا ايضا الحقيقة والاكاذيب ونقص الامانة والخداع في الحياة المعاصرة ،وتلتبس الحدود بين الحقيقي والخيالي وبين النزاهة وغيابها وبين الخيال والواقع الفعلي .
ان مسرح المعارك السياسية اليوم هو هذا الحيز الغامض والمتلبس ،لكن سبب التفكك في مجتمعنا هو نتيجة اختلاط الحدود بين الكذب والواقع .
لكن لا تقوم قائمة لمجتمع ديموقراطي في غياب اجماع على معنى الكلمات وحقيقة الواقع .
لننظر لواقعنا وحالنا ونتبع معتقداتنا ومبادئنا ونعمل لصالح وطننا وتطور امتنا وتقدمها .
اما التحديات الاقتصادية ومصاعب الحياة اليومية المعرفة بخلطتها من فقر وبطالة وارتفاع اسعار ،تلاها الفساد المالي والاداري التي يليها تعزيز الديموقراطية وتحقيق الاستقرار والامن الداخلي ،هي اساس التحديات اليوم لمختلف ابناء الامة وشرائح المجتمع .
ذكر تقرير التنمية الانسانية العربية لعام 2016بعنوان الشباب وآفاق التنمية واقع متغير .
ان ما يثقل كواهل الشباب العربي على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية وقدراتهم الاقتصادية ،هو الهاجس الاقتصادي والفقر والبطالة ،ولم تعد تشوبه شوائب الحرية والتعبير أو الديموقراطية والتغيير أو حتى العدالة والتنمية .
لنتجاوز التحديات الاقتصادية لابد أولا ان نحقق الامن الغذائي لتخفيف الاستيراد من الخارج بعد ان نؤمن مصادر المياه من قناة البحرين او الآبار او السدود وغيرها .
لخفض فاتورة الواردات يجب ان نعود الى التركيب المحصولي الاجباري الذي يحدد الاحتياجات الفعلية للبلاد ،التي يتم استيراد كميات كبيرة منها بسبب تراجع انتاجها مثل البقوليات والحبوب والخضار وغيره.
لذا لو تم وضع خريطة انتاجية للأراضي الزراعية ،فسوف تتمكن من تطبيق الدورة الزراعية بشكل جيد للحصول على انتاجية مرتفعة من جميع المحاصيل ،ومن الضروري تطبيق واستخدام العلوم الحديثة في الزراعة وتشجيع المزارعين على استخدامها لزيادة الانتاجية وتحسين نوعيتها .
كما يجب الاهتمام بمراكز الابحاث الزراعية ليعطوا النصائح للمزارعين ،لتطوير انتاجهم وتحسين نوعيته .
بعد ان نكتفي ونحدد الامن الغذائي ،ننتقل للصناعات ورفع الانتاج، وتحسين مستوى المواد الطبيعية التي تتوفر لدينا بكثرة مثل الفوسفات والبوتاس والاسمنت واملاح البحر الميت وغيرها ،وتحسين مستوى الادارة ورفع كفاءتهم ومراقبتهم وعدم تركهم للاهتمام بالأسفار والمياومات وزيادة الخسائر دون رقيب او عتيد، واختيار العلماء المنتمين لهذا الوطن الذين يهمهم مصلحة الشعب والوطن لا مصالحهم الشخصية .
لقد استقطبت مسألة التنمية الزراعية والغذاء اهتماما كبيرا على مستوى الوطن العربي في الآونة الاخيرة ،شمل الجانب النظري والانشغالات الاكاديمية ،كما شمل الجانب التطبيقي والاجراءات العملية .
ليس منبع هذا الاهتمام ان الغذاء يشكل جوهر صراع الانسان من اجل البقاء بل لعل فشل هذه الجهود في تجاوز المشكلة الغذائية ،التي يعاني منها الوطن العربي زاد من ضرورة تقييم ومراجعة هذه الجهود .
دخلت اوضاع الزراعة والغذاء في الوطن العربي ،منذ منتصف السبعينات للقرن الماضي مرحلة حرجة ،تمثلت في تنامي الطلب على المنتجات الزراعية عموما وعلى الغذائية بوجه خاص ،نتيجة ارتفاع معدلات النمو الديموغرافي والقفزة النوعية في الدخول الفردية في بعض الدول العربية (النفطية منها )،بالإضافة لارتفاع اسعار المواد الغذائية في الاسواق العالمية ،وتقلص الاهمية النسبية للقطاع الزراعي في الهياكل الاقتصادية العربية ،وقد نجم عن هذا الوضع تفاقم العجز الغذائي وبالتالي اللجوء الى المصادر الاجنبية لسد هذا العجز
تعتبر اسباب الفجوة الغذائية العربية متعددة ومتشعبة ،ويختلف الدور الذي تلعبه هذه الاسباب في تعميق هذه الأزمة ،حسب طبيعة الدول في ثقلها السكاني وتوزيعهم بين الريف والحضر وندرة او محدودية الموارد الطبيعية والمالية، أو عدم نجاعة الهياكل الادارية والتنظيمية في الدول ،وعدم الاهتمام بالزراعة ضمن مخططات التنمية ،وهي عوامل لها تأثير مباشر أو غير مباشر على الانتاج والانتاجية واستغلال الطاقات المتاحة .
تعود جذور أزمة الغذاء في الوطن العربي الى جملة من عوامل مؤثرة ،هي عوامل ديموغرافية وعوامل طبيعية ،حيث يزخر الوطن العربي بأراض هامة قابلة للزراعة ،تقدر بحوالي 200مليون هكتار، والموارد البشرية منها 30مليون فرد يعملون بالزراعة .
يعد الوطن العربي من أقل مناطق العالم وفرة للمياه بسبب ندرة المياه وسوء استغلالها وهدرها ،فبينما تضم المنطقة 4,5%من سكان العالم فانه لا يوجد في المنطقة أكثر من 1%من الموارد المائية العالمية المتجددة ،كما لا يتجاوز معدل حصة الفرد حاليا من الموارد المائية 1000م3في السنة مقابل 7000م3للفرد في العالم كمتوسط سنوي .
لتعويض النقص الكمي الحاصل يمكن تحسين استغلال الموارد عن طريق اتباع اساليب الري العصرية والترشيد .
تقدر جملة الموارد المائية المتاحة عربيا بحوالي 265مليارم3في السنة منها حوالي 230مليارم3مياه سطحية و35مليارم3مياه جوفية وهي كميات محدودة .
أما العجز المائي اللازم لإنتاج الغذاء محليا فيقدر بحوالي 50مليارم3في السنة.
بالإضافة لندرة الموارد الطبيعية ،فان التصحر والجفاف والتعرية والتحولات المناخية ودور الانسان في الاستنزاف اللاعقلاني للموارد الطبيعية وتدمير البيئة ،له دور كبير في استفحال ازمة الغذاء في الوطن العربي .
ان تحقيق الامن الغذائي لأي امة وللامة العربية على وجه الخصوص ،قضية محورية يجب عدم تركها للظروف المتغيرة ولا للعوامل الخارجية للتحكم بها ،وانما يجب السعي بكل جديد الى ضمان امن مستديم من خلال زيادة العناية بالقطاع الزراعي ،وتوسيع قاعدة العمل المنتج وتحسين الانتاجية .
يتطلب ذلك جهودا عربية على طريق التكامل الاقتصادي على جميع الاصعدة وخاصة القطاع الزراعي .
لكن ذلك تنقصه الارادة السياسية وحكومات مسؤولة وقوى شعبية ناشطة لتحقيق الهدف الذي اصبح المخرج الوحيد للوطن العربي من الازمات التي يعاني منها اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وتفسح الطريق للشعوب للتأثير في القرارات بالطرق الديموقراطية .
لكن مجمل القول ان الازمة الغذائية في الوطن العربي الى حد كبير ،وحتى عهد قريب لم تكن مشكلة نقص او شح في الموارد المتاحة ،ولا نموا سكانيا متسارعا او عجزا في الامكانات المالية ،كما هو حاصل الان ،وانما هو بالدرجة الاولى مسألة فشل او خلل في السياسات الزراعية ،وسوء استغلال لما هو متاح للوطن العربي من موارد .
انها جزء من مسألة التنمية العربية في جوهرها بأنماطها الانتاجية والاستهلاكية ،والتوزيعية على المستوى القطري والقومي.
رغم ما يعانيه الوطن العربي من مشكلة غذائية آخذة في الاتساع ويستسهل الاستيراد فانه يملك من المقومات والامكانات الموضوعية ما يكفيه ليس فقط لسد حاجاته من الغذاء فحسب بل تحقيق فائض يصدره للعالم الخارجي ،وذلك لضمان مستوى معيشة جيد للفرد وللتحرر من التبعية الاقتصادية الخارجية وما ينجز عنها من ضغوط سياسة واقتصادية .