سهير جرادات
الشعب الطاحن
بفضل قرارات حكوماتنا المتعاقبة ، وانتهاجها لأسلوب مد يدها لجيوب المواطنين بفرض الضرائب ، تحولنا من شعب مطحون من شدة الغلاء ، وارتفاع الأسعار والمديونية وتفشي الفساد والواسطة والمحسوبية،إلى شعب طاحن لكل ما يدور حوله من أحداث وسياسات لا يمكن هضمها وبلعها أو حتى فهمها إلا بعد طحنها ، وطي صفحاتها؛ ليتمكن من الاستمرار بالعيش في هذه الحياة .
إن عملية الطحن غير حديثة على مواطننا الأردني ، ومن الصعب معرفة بداياتها ، لكننا لا ننسى مثلا أكبر عملية طحن شعبي للرواية الحكومية غير المفهومة، لقضية ذهب عجلون حيث نصت الرواية،أنها عملية عسكرية بحتة ، لتركيب أجهزة إنذار مبكر وخطوط مشفرة ، ثم تلتها حادثة انتحار الأختين(ثريا وجمانة)، التي ما زالت مبهمة ، والأسباب الحقيقية التي وقفت خلفها،ولا يمكن نسيان كيف تم طحن قضية انفجار شحنة الألعاب النارية الممنوعة من الاستيراد والدخول إلى جمرك عمان، والتي طويت دون توضيح أسبابها ، ومن هو الشخص المتنفذ صاحب هذه الشحنة. الطحن لا يتوقف ، فلا نغفل الطحن ! لدائر لرفع تعرفة أسعار المياه والكهرباء وأسعار المشتقات النفطية ، واتساع دائرة الفساد والواسطة والمحسوبية ، إلى جانب طحن تعديل المناهج الذي قام على حذف آيات قرآنية وأحاديث نبوية ، وحذف الدروس المستفادة من ” الغزوات الاسلامية “، حسب ما ورد في تقرير لجنة مراجعة المناهج ، والتي عللها الناطق باسم الحكومة، بأن تعديل المناهج جاء من باب التطوير !!.
ونستذكر هنا المحاولات الشعبية لطحن حادثة اطلاق النار في مركز تدريب الموقر ، والتي تتشابه أيضا مع الحادثة التي وقعت في القاعدة العسكرية في الجفر لمدربين من أميركا ، عدا عن طحن واغلاق ملف “غرق عمان” العام الماضي دون أي محاسبة للمسؤولين ، أو إقالة بحق المتسببين، إلى جانب محاولة الحكومة إجبار المواطن على طحن “اتفاقية الغاز” مع العدو الصهيوني ،إلى أن نصل إلى عملية طحن تلك التشكيلة الحكومية الأخيرة، التي لا تتعدى تعديلا وزاريا ، جاء بلا طعم ولا نكهة ، ناهيك عن صدمة الشعب بنتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
وكنا قد استمعنا خلال الأسبوع الماضي لأكبر عملية طحن للبيان الحكومي الذي قدم لمجلس النواب لنيل الثقة ، وما تلاه من عملية طحن لما يدور في العبدلي برد النواب على البيان الوزاري ، والتمثيلية المكررة لمنح أو حجب ثقة النواب عن الحكومة ، وما دار من مهازل بين النواب من مراسلات اصطادتها ورصدتها عدسات المصورين الصحافيين ، الذين هوجموا ومنعوا من انجاز عملهم، لعدم فهم السلطات التشريعية أو التنفيذية ، لدور السلطة الرابعة (الصحافة)،كشريك أساسي في الرقابة ، وأن القبة مكان عام وليس خاص، ما لم تكن جلسة مغلقة ، فقد تضمنت القصاصات أن هناك استمالة حكومية لل ! واب وتدخلاً مباشراً في توجهاتهم للحجب أو منح الثقة لها .
ولا ننسى تهجم إحدى السيدات من النواب على الصحافة بكلمات لا تليق بعضو في البرلمان ، إلى جانب استماعنا إلى التهكم والاستخفاف من قبل الزميل النائب بحق زميلته ، والذي يدل بكل وضوح على غياب التقدير من الرجل للمرأة ، وتلك التبريرات المؤسفة التي صدرت من تلك السيدة (النائب)،التي نعول عليها كثيرا ، فقد صنفت النائب الجيد من خلال التزامه وحضوره ، والذي لا يخرج عن مفهوم وفكر الموظف .
تعد قضية زيادة الأعباء التي نتحملها كدولة جراء استقبالنا لأعداد اللاجئين المتزايدة نيابة عن العالم في ظل تخلي الكثير من الدول عن مساندتنا ، من أكبر القضايا التي ما زلنا نحاول طحنها لنتعايش معها ، إلى جانب طحننا للتسريبات التي أشارت إلى منح أبناء مسؤولين رواتب خيالية ، والتطاول على مخصصات قواتنا المسلحة ، وبيع أسلحة الحراسات على المدينة الطبية ، والمتاجرة بالأسلحة الموجهة لدعم الجيش السوري الحر.
وتعتبر أكبر إشكالية تواجه الشعب الأردني هي طحن الأسلوب المتبع عند اكتشاف قضية فساد لدى المسؤولين الفاسدين من خلال الاكتفاء بإعفائهم ليعودوا مرة أخرى إلى موقع المسؤولية كأنها مكافأة لهم على عدم أمانتهم .
رغم كل عمليات الطحن التي يُكره عليها الشعب ، لكل ما هو غير مقبول وغير مفهوم ، إلا أن ولاءه وانتماءه لوطنه الذي يعشقه يبقى طواعية، لا إكراه فيه ..