…. حين كنت طالبا في الجامعة الأردنية، كنت أمر على المكتبة.. لي صديق فيها يعطيني نسخة من جريدة الرأي مجانا، كان يستهويني.. أن أقرأ كل ما فيها.. لابد من قراءة أحمد سلامة، فهد الفانك، طارق مصاروة، فهد الريماوي، فخري قعوار، أحمد المصلح، مؤنس الرزاز… لابد من قراءة محمد خروب، بدر عبدالحق..وحين أنهي، أمر على الجزء الثقافي فحبيب الزيودي الذي يعمل في الإذاعة نثر قصيدة هنالك على الزاوية.. ومن الممكن قصها، ومن الممكن أيضا أن تحفظها حتى تقرأها على مسمع البنات إن جلستم في زاوية.. من زوايا كلية الاداب. الرأي لم تكن صحيفة.. كانت ضمير الدولة، ووجدانها… واحتضنت القومي واليساري والليبرالي، والقومي السوري، والناصري… وكلهم كانوا يمارسون عملية التنوير والوعي، بأبهى صورها. في مصر قد تسمح الدولة، للنيل بأن يغير قليلا من مجراه، لكنها لاتسمح لوجدان المصريين بأن يمس، وهذا الوجدان صاغه هيكل عبر الأهرام… التي كانت تطلل عليهم كل صباح، كي تروي لهم السياسة..والحياة، فالأهرام ليست صحيفة مصرية هي جزء من التراث القومي، وهي تعبير عن هوية الدولة وحضورها. كل شيء في العالم قد يتأثر بالتطور ووسائل الاتصال والتقنية، وندرك أن بعض الوظائف ستنعدم… لكن بريطانيا للان لم تستطع أن تغير في (البي بي سي)..فمنذ (75) عاما والدورة البرامجية واحدة، ومنذ أن وجدت هذه الإذاعة لم تمارس عملية التقاعد مع كوادرها، تركتهم خلف المايكريفونات… وتركت للموت وحده أن يقرر مصيرهم..بريطانيا لا تتعاطى مع (البي بي سي) على أنها إذاعة , ولكنها تتعاطى معها على أنها التعبير الحقيقي عن إرث الإمبراطورية العظمى , وأنها نموذج الإعلام في العالم..وهوية الدولة. الرأي كانت كذلك، كانت أكبر من صحيفة بكثير، وأكبر من وزارة..كانت تعبيراً حقيقياً عن النخبة السياسية في الدولة، وكانت الحاضنة التي تستقطب الجميع، وفيها ينتج مع المقال..أهم القرارات، وعلى مكاتبها تعقد حلقات العصف الفكري..ويجتمع بعضالسياسيين لتلقي المشورة… لا أريد في هذا المقال أن استجدي من الحكومة شيئا، ولا أريد أن اشكو من تأخر الرواتب.. ولكن بمقياس المنطق، صحيفة مثل الرأي أهم من الوزارة بكثير.. لأنها عبرت عن الهوية الوطنية، وعن صلابة الدولة وقوتها، وخاضت معارك الوطن جميعها… لايجوز ترك الرأي بهذا الحال , ولايجوز القول أن الصحافة الورقية انتهت..فهذه التبريرات، هي قفز عن الحقيقة… ولا يجوز أن نوضع نحن، في خانات الاستجداء…فحقنا في الحياة والدولة، مقدس ومصان…ةعلى الأقل الأقلام لاتنتج بقرار.. ولا تقال عبدالهادي راجي المجالي عبدالهادي راجي المجالي بقرار، لأن التنوير والوعي هبة من االله.. وليس درجات في بيروقراط الدولة…