الدكتور حسين البناء
التاريخ لا يعيد نفسه؛ لكن المقدمات الموضوعية تقود لنفس النتائج. عانى الاقتصاد الأمريكي من الكساد العظيم في 1930 وكان دخول أميركا الحرب العالمية الثانية هو الحل الأمثل للخروج من الأزمة حيث أن حالة الحرب تُعد أحد المحركات الكبرى للنشاط الاقتصادي؛ حيث تنخفض البطالة بالتجنيد، ويتسع مدى الإنفاق العام لتمويل الجهد الحربي، وتنشط عمليات التصنيع والاتجار لتلبية طلبيات المعركة من سلع وخدمات لوجستية، ويتعاظم دور السياسيين والعسكريين أمام دور الاقتصاديين ونماذج التحليل التقليدية لدبهم العاجزة عن اجتراح حلول حقيقية للأزمات الاقتصادية.
الأجواء العامة عالميًا مهيأة لافتعال حرب كبرى تُعيد التوازن الدولي؛ فروسيا تغزو أوكرانيا، والصين تتأهب لغزو تايوان، وإيران تتمدد في محيط إسرائيل وحلفائها، وكوريا الشمالية لا تنفك عن إقلاق اليابان وكوريا الجنوبية. لكن القوى النووية المنخرطة في هذه المعادلة تجعل احتمالية الحرب الشاملة المباشرة أمرًا غير وارد، لكن البديل المخفف من حروب هامشية ما زال واقعيًا؛ فقيام إسرائيل بضرب منشآت البرنامج النووي في إيران، وقيام الغرب بتكليف أوكرانيا بحرب طويلة ضد الروس بالوكالة، واستفزاز الصين بمناورات مشتركة مع تايوان وتطوير اتفاقيات دفاع مشترك معها ونصب منظومات دفاع متقدمة فيها، وإحماء الحدود مابين الكوريتين واليابان لتصعيد التوتر هناك ليتطور لمعارك حقيقية…كل ذلك من شأنه تجهيز العالم لحرب واسعة قد تتطور لمستويات أخطر لاحقًا.
أسباب التضخم في الولايات المتحدة تعود لإصدار نقدي طاريء تجاوز التريليونين من الدولارات لتغطية آثار جائحة كورونا، وارتفاع الطلب عقب فتح الأسواق والأعمال مع انتهاء إجراءات الحظر، وبسبب ارتفاع أسعار النفط والغاز والأسمدة والحبوب مع غزو أوكرانيا، كل ذلك رفع نسبة التضخم هناك بشكل قياسي لتصل في حدود (9.1% في يونيو 2022) الأمر الذي يآكل القوة الشرائية للمستهلك والطبقة العاملة بالذات، وهذا شكل ضغطًا هائلًا على صانع القرار في الاحتياطي الأمريكي، مما حدى به لرفع متسلسل لأسعار الفائدة على أمل تقليل السيولة المتداولة في السوق لتخفيض الطلب فيتراجع التضخم.
قيام الولايات المتحدة برفع سعر الفائدة المتكرر ليصل (2.75%) أجبر دولًا كثيرة لمواكبة ذلك برفع متوازٍ لسعر الفائدة فيها، وذلك لتثبيت كلفة المستوردات، ولتثبيت سعر صرف عملاتها أمام الدولار الأميركي، ولمنع تسرب الأموال الساخنة من الدول باتجاه الاستثمار في أدوات السوق المالي المحررة بالدولار في أميركا.
هذا الحل التقليدي للأزمة الاقتصادية الأمريكية لن يكون مجانيًا؛ فسوف نتجه للركود كنتيجة مؤكدة لتراجع الطلب والإنفاق بسبب تجميع الأموال في البنوك، تلك البنوك التي ستدفع فوائد عالية للمودعين والمستثمرين بالأدوات المالية، وستطلب كذلك فائدة أعلى من المقترضين، مما سيرفع كلفة الاستدانة ويقلل الميول نحوها، والأمر الذي سيرهق الأفراد المقترضين نظرًا لتنامي قيمة أقساطهم، وسيرهق الحكومات المقترضة كذلك بسبب تنامي أعباء خدمة الدين على الموازنة العامة.
السيناريو القاتم يقع في حالة الدخول بركود مقيم يؤدي لفقدان الوظائف وتراجع العوائد الضريبية وتراجع نتائج أعمال كبرى الشركات وفشل المشاريع الصغيرة، هذا الأمر سيستدعي خطابًا يمينيًا شعبويًا يقوده رئيس مفوّه مندفع وغير تقليدي، قد تشمل أجندته المغامرة في حرب كبرى.