د. محمد القضاة
الجامعات ومفارقات الغياب!!
د. محمد القضاة
بانتهاء مؤتمر الموارد البشرية وما تمخض عنه من حوارات وأرقام صادمة وافكار جادة ورؤية واضحة ورغبة أكيدة من لدن صُنَّاع القرار، ومع انتهاء موسم التشكيلات الأكاديمية وانتهاء توزيعها، ومع بدء العام الجامعي الجديد نُطالب الإدارات الجامعية وكلياتها واقسامها بوضع خطط حقيقية وجادة لعملها، بحيث تطال الخطط العملية الأكاديمية برمتها، ويجب ان تحاسب الإدارات الأكاديمية العليا الفاشل في الكليات والاقسام نهاية العام الجامعي، إذ لا يعقل ان تُدار الجامعات بعمل روتيني ممل، ولا يجوز ان يُثبّت الفاشل ويُعاد إنتاجه ويركن لتوصياته واخطائه، ومن المؤسف ان كلاما سلبيا وحوارات كثيرة تُدار في السر والعلن، تنتقد التشكيلات الجامعية في معظم الجامعات، ولا يهمنا من خرج ومن دخل، وما نريده ان يُحاسب الفاشل في نهاية المطاف حتى لا يبقى الامر مجرد شخص أُسندت له مهمة لا يعرف إدارة نفسه، وَمِمَّا يؤسف له أن كثيرين ممن أُسندت لهم مهمات أكاديمية عمداء ورؤساء أقسام ومراكز علمية لا يستحقونها لضعفهم وفقرهم الثقافي والأكاديمي والاداري مَع أنّ الجامعات تمتلك كفايات عالية وللأسف يتم تجاوزها، وهذا لا يعني أن من تسنموا كعك الإدارات هم الأكفاء بدليل ان عديدين أُسندت لهم عمدات وأقسام لمرات عديدة وقد فشلوا فشلا ذريعا؛ ولم يسجل لبعضهم حرفاً واحداً في البناء والعطاء ومع ذلك يعودون!؟! وكلنا يعرف كيف تتم التوزيعات؟ وكم هو حجم الواسطات، لا نريد ان نقف عند هذه الجزئية؛ وإنما لا بد من برامج واضحة تقدم خلال الفصل الاول للإدارة بحيث تُعلن في الكليات والاقسام كي يُعرف الناجح من الفاشل، والأكاديمي المنتمي الذي يعمل بهمة ونشاط من الاكاديمي الذي يتمطى وينافق ليل نهار في سبيل البقاء، وهنا لا بد من فتح الأبواب على مصراعيها للحوار والنقاش، بعيدا عن سياسة الأبواب المغلقة، ولننظر لتجربة محمد بن راشد في دبي كيف خلع أبواب المسؤولين في سبيل النجاح والانجاز ؛ فهل تفتح الأبواب كي لا يختبئ الفاشل من أن أحداً لا يشتكيه بسبب الأبواب المغلقة وتفشي سلطة السكرتيرات؟؟
لنفتح الأبواب على مصراعيها؛لأن المنافسة بين الجامعات على أشدها، وتعالوا معي لنقرأ تصنيف تايمز البريطاني الذي صدر قبل يومين ماذا فيه؛ فقد تصدرت جامعة أكسفورد البريطانية ترتيب أفضل الجامعات في العالم للعام الدراسي الحالي بحسب هذا التصنيف، وجاء معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في المرتبة الثانية، في حين جاءت جامعة ستانفورد الأمريكية في المرتبة الثالثة، وفي المرتبة الرابعة جامعة كامبرج، وها هي سبع جامعات مصرية تدخل تنصيف تايمز البريطانى لأفضل الجامعات حول العالم، في حين جاءت ثلاث جامعات أردنية بعد الترتيب (801) وهي الهاشمية والعلوم والتكنولوجيا والاردنية ، ولذلك علينا أن نسأل أين الجامعات الاردنية؟ كنّا في المقدمة عربياً واقليمياً، فلماذا تغيب جامعاتنا، من المسؤول عن هذا الغياب؟ الجميع يعرف الأسباب؛ ولكن لا أحد يجيب! أعود لأقول: إن التجارب خير برهان، والعين ترى، والفكر لا ينسى، والنَّاس يمتلكون ذاكرة جيدة، وفي العقود الثلاثة الماضية عملتُ مع رؤساء ونواب وعمداء بعضهم حفر اسمه ومضى، ولم تمح السنين اسمه وعمله، وبعضهم ذهب مع الريح نسيا منسيا، هؤلاء البُناة لم يلبسوا ثيابا اكبر من مقاساتهم، كانت أفعالهم كأقوالِهم، وكانوا يفتحون قلوبهم وعقولهم ولا يتركون أمور الناس للتردد والقال والقيل؛ لأنهم يقدرون معنى الزمالة ويقدسونها، ويعرفون أن هذا الكرسي سيؤل لغيرهم، وكانوا لا يرضخون لأحد مهما كان وزنه وشكله ورأيه، كانت الاعراف الأكاديمية هي منهج الجامعات وأسلوبها في البناء والجودة والعمل الصحيح، وهذا مطلب يجب الا يغيب عن اي طرف كان.
(2)
حين تقرأ خبراً في الصحافة عن أن المملكة العربية السعودية وقطر تقرران منع طلبتهم من دراسة الماجستير والدكتوراه في مصر تقف امام هذا القرار طويلاً، لتسأل لماذا؟ ما الأسباب ؟ وحينئذ تطيل التفكر جديًّا بانجازات الجامعات الاردنية، وكيفية الحفاظ على سوية أكاديمية عالية، مع ضرورة الانتباه لمثل هذه القرارات المفصلية وآثارها على الجامعات المصرية! وهنا يجب ان نقرأ بعناية فائقة إنجازات الجامعات في ظل إسناد مهمات بعض الإدارات الأكاديمية فيها لمن يستحقونها، ومن لا يستحقونها! فكيف يحافظون على جودة الأكاديميا اذا كان بعض هؤلاء لا يملك رؤية حقيقية في إدارة كليته أو قسمه الاكاديمي؟
إن الحفاظ على سمعة جامعاتنا يحتاج لقراءة جادة لمفاصل العملية الأكاديمية والإدارية برمتها، وللاسف حين تقرأ بدقة السير الذاتية للعمداء ورؤساء الأقسام تصدم حين تجد ان بعضهم لم ينشر ورقة علمية من عشرين عاما، وبعضهم لم يشارك طيلة حياته في مؤتمر علمي حتى على المستوى المحلي! فكيف تُدار العملية الأكاديمية في هذه الجامعات؟ كيف تتقدم وتنافس؟! مؤسف جداً اذا قلنا الحقيقة المرة من أنّ الجادين والأكاديمين المرموقين يبعدون عن صناعة القرار الاكاديمي، ويحاربون بشتى المكائد والوسائل والطرق لإبعادهم والنيل منهم، في سبيل بقاء ضعاف النفوس والمنافقين حول صانع القرار، والنتيجة تراجع الجامعات وعدم قدرتها على تحقيق أهدافها العلمية بالشكل الذي يليق بتاريخها وإنجازاتها، وهو ما يفضي الى تدهور سمعة التعليم العالي والجامعات بسبب بعض الشرذمة الذين يتسللون الى العمادات والاقسام وهم لا يملكون أدنى ذرة تفكير بمصلحة الأكاديميا، وللأسف تتناسل هذه الفئة وتتكاثر، والنتيجة ما قاله الدكتور عاهد الوهادنه قبل مدة في جريدة الرأي عن غياب الجامعات الأردنية عن التصنيف العالمي لقائمة افضل 500 جامعة عالمية، وقد تساءل باستهجان عن هذا الغياب غير المبرر، خاصةً ان الارشيف يعج بالمقالات الناقدة لغياب الجامعات الاردنية في التصانيف العالمية المختلفة، ويقول د. الوهادنه :’ ولكن ما يلفت الانتباه هو التقدم المذهل للجامعات العربية في التصنيف وتزايد أعدادها حتى اصبح هناك عديد منها ضمن قائمة النخبة، بل ان بعضها تخطى حاجز المئتين دون ان يكون من ضمنها جامعة أردنية واحدة.’، وهذا القول هل تأخذه جامعاتنا على محمل الجد؟ وهو سؤال مرتبط بسؤال الغياب والمساءلة؛ فمن ياترى يحاسب الجامعات المتعثرة ؟ واذا فشلت خطط الجامعات وباتت غير قادرة على المنافسة من يحاسبها؟ هل مجالس الأمناء لديها السلطة والقدرة على المحاسبة واتخاذ التدابير الناظمة لذلك ؟ وهل مجلس التعليم العالي لديه صلاحيات في هذا الإطار ؟ أظن أن نتائج مؤتمر الموارد البشرية يحب ان يضع نهاية للإدارات غير القادرة على تنفيذ الخطط الجادة لإعادة الاعتبار للحياة الأكاديمية، ولا يملك المرء امام نتائج تصنيف مؤسسة QS العالمية لهذا العام (2016) الا الحزن على جامعاتنا، وتعالوا معي لتقرأوا الترتيب الذي نشره الدكتور الوهادنه في مقالته التي أشاركه فيها رأيه، وجاء على النحو التالي:’ احتلت الجامعات الامريكية والبريطانية وجامعة سويسرية واحدة قائمة العشر الكبار. وجاءت جامعتان من سنغافورة في المرتبتين الثانية عشرة والثالثة عشرة على التوالي لتبرهن ان حجم البلد ليس هو الرهان فآليات تطويرالتعليم العالي ليس حكراً على الدول الكبرى. اما بالنسبة للجامعات العربية التي دخلت قائمة افضل 500 جامعة عالمية فهي ثلاث جامعات سعودية وثلاث جامعات اماراتية وجامعتان من لبنان وجامعة واحدة من كل من البحرين وعمان وقطر ومصر، في حين دخلت اربع جامعات اسرائيلية نفس القائمة في غياب لافت للجامعات الأردنية’، وهذا أمر يجب ان يأخذ على محمل الجد، فماذا ينقص جامعاتنا؟ ما الذي أوصلها الى هذا المستوى؟ لماذا نخاف الحقيقة ونخشى البحث عن الأسباب ! وتابعوا معي قوله عن أحدى الجامعات السعودية:’ ان احدى الجامعات السعودية استطاعت ان تتجاوز حاجز افضل مئتي جامعة عالمية وهو تقدم يستحق التقدير كون هذه المجموعة تشهد تنافساً حاداً ومثيراً’ والسؤال المثير كانت جامعاتنا في المقدمة وكان خريجوها الأفضل عربيا، فماذا جرى ليتني اجد اجابة شافية من صُنَّاع القرار حول هذا الامر! نعم مع الدكتور الوهادنه الحق حين يقول:’ ان تصنيف الجامعة لم يعد خطوة شكلية بل اصبح واحداً من محددات اتجاه الطلبة للدراسة’، فهل هذا الواقع يثير الجامعات للقيام بجردة حساب كي تنافس من جديد وتصل للمستوى الذي تريد، أم انها تبقى مشغولة بالروتين اليومي! وهنا علينا ان نسجل بالتقدير لجلالة الملكة رانيا حين تحدثت بصراحة ووضوح عن واقع التعليم وهو امر يحب الا يغيب عن رؤساء الجامعات من أن جلالة الملك والملكة ينتظران من الجامعات استراتيجية تطبق لا حبرا على ورق وعملاً دؤباً يعيد للجامعات ألقها وسمعتها؛ ولذلك علينا ان نعزز ثقافة الحوار والعمل والجد والاحترام والإنجاز، وثقافة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب في الإدارات الجامعية سواء أكبرت أم صغرت كي نصل الهدف المنشود.
وبعد، فحامل الفكر المقيد لا ينتج شيئا؛ لانه محكوم بما في داخل الصندوق؛ في حين حامل الفكر الحر هو من يملك الرؤية ويوجه الصندوق للإبداع والانجاز، وهذا ما يجب ان يكون في ذهن صانع القرار كي يوجه قارب النجاة ويعيد بوصلة الأكاديميا والجامعات الى طريقها الصحيح، ودون ذلك قد نحصد الفشل سنة تلو اخرى، وقد نفاجئ مستقبلا ان بعض جامعاتنا أصبحت خارج الخدمة والحياة، ولا قدر الله قد تصدر بحقها قرارات كما تم للجامعات المصرية، وهو امر يجب ان يدفعنا لمزيد من العمل والجد والمثابرة لكي تبقى جامعاتنا في المكانة المرموقة . وبعد فالجامعات يجب ان تبادر بتغيير ثقافتها وسياساتها ونمط تفكيرها لتعزيز ثقافة الثقة والاحترام والمبادرة بين طلبتها وأساتذتها وموظفيها ومتعامليها.
mohamadq2002@yahoo.com