
أ.د.عبدالله الزعبي.
الجامعة هي مؤسسة اجتماعية معقدة تعبر عن التراث الفكري والعلمي والثقافي والأدبي للأمة وترادف تطورها الحضاري وتعنى بالحفاظ عليه وفهمه وتوسيعه ونقله من جيل إلى آخر. والأمر كذلك، فالجامعة هي رمز للفخر الوطني، وقيادتها تجسد عقل الأمة المتقد، في حين يلامس اساتذتها قلبها النابض ويعمرون وجدانها، وطلابها هم دماءها، يسرون في شريان عزتها ويحملون جينات الخير فيها والرسالة. الجامعة بمفهوم المؤسسة التعليمية هي إذاً مصطلح لا يحتاج إلى التوضيح والشرح والاسهاب، لكن غالباً ما يثير النقاش شجوناً حول فكرة الجامعة ورسالتها ودورها، ما يستدعي السؤال حول ماهيتها ومكانها في الدولة. فمنذ القرن الخامس قبل الميلاد عندما اقيمت جامعة نالاندا الهندية كأقدم مركز للعلم ومساهمتها في التعليم من اجل تلبية احتياجات المجتمع الثقافية والاجتماعية والدينية، وأكادميا أفلاطون التي أسسها عام 387 قبل الميلاد في أثينا، وبيت الحكمة في بغداد الذي انشأءه هارون الرشيد بحدود عام 800 م، ومذ شرعت فاطمة بنت محمد الفهري في تأسيس جامعة القرويين في المغرب عام 859 م من حر مالها وبعرق صبرها، قائمة صائمة، تبغي العزة والرقي لقومها، ومنذ سعي الطلاب لإنشاء أول جامعة حديثة، منهم وفيهم ولهم، في بولونيا الإيطالية عام 1088، تطورت الجامعات بشكل مذهل ولعبت دوراً حاسماً في تقدم البشرية ورخاء الإنسان ورفاهيته. ذاك التطور الذي شهد علامة فارقة في تاريخ الجامعات عندما صاغ ويلهلم فون همبولت، وزير التربية البروسي آنذاك، مبادئ وحدة البحث والتعليم، فأسس جامعة برلين عام 1810، وأصبح البحث العلمي جزءاً مركزياً في عمل الجامعة من اجل إثراء وتعزيز وتوسيع المعرفة بجهود مجتمع الاساتذة والطلبة وفي اجواء من الحرية الفكرية والإنضبط العلمي.
إن دور ووظيفة الجامعة قد تعاظم منذ ذلك الحين إلى نقطة أدت إلى استخدام كلارك كير، مستشار نظام جامعة كاليفورنيا، عام 1963 مصطلح “جامعة متعددة” ليعبر عن المجموعة المتنامية للأنشطة التي تنظمها الجامعة وتنفذها من مثل التدريب والاستشارات والمؤتمرات وخدمة المجتمع. ومع بزوغ فجر الثورة التكنولوجية والانفجار السكاني العالمي في القرن العشرين، تحولت الجامعة من مجتمع نخبوي حصري على فئة الساسة والأثرياء إلى ساحة جماهيرية مفتوحة لكل فئات المجتمع، ثم اخذت على عاتقها بناء مجتمع الاقتصاد المعرفي فعمدت على إعادة توجيه هيكليتها نحو مثلث المعرفة القائم على التعليم-البحث العلمي-الابتكار. وانطلقت إثر ذلك الجامعات العالمية لإستضافة المتنزهات العلمية والشركات متعددة الجنسيات وأقامت الشراكات وبدأت تستقطب رجال الأعمال وتحتضن رواد الأعمال الشبان وتطلق الشركات الناشئة وتعمل على تتجير التكنولوجيا وتشجع طلبتها على الابتكار والإبداع. رافق ذاك التعقيد مسائل حوكمة الجامعات وادارتها واستقلاليتها وقضايا ضبط الجودة والاعتماد وانفتاحها على محيطها وعلاقتها في الصناعة وبناءها لمجتمع المعرفة وتدويلها ودورها في الدولة ومنظومتها الاقتصادية.
تواجه الجامعات الاردنية اليوم حزمة متعاظمة من التحديات تنبع بالاساس من جمودها وركونها إلى نماذج الماضي وحركتها في محيط محدود ومغلق وإطار منعزل عن احتياجات المجتمع وهموم الدولة. وتتجلى عزلة الجامعات أيضاً في غياب استراتيجية واضحة للدولة بسبب ظروف موضوعية تتمثل في الاضطراب السياسي الذي يجتاح المنطقة وصعوبة تبني رؤية متوازنة ومستقرة نتيجة الأحوال الاقتصادية التي تعاني منها المملكة. لكن والحال كذلك، نود أن نستحضر مقولة المناضل العظيم نيلسون مانديلا: “التعليم هو السلاح الأقوى الذي يمكنك استخدامه لتغيير العالم”. الجامعات مثلما الحكومة تحتاج إذاً إلى “عقل مدبر” لصياغة استراتيجية واقعية متوازنة للعلم والتكنولوجيا والتعليم والبحث العلمي والابتكار وتبني حولها هيكلية إدارية حديثة ترتبط برأس الدولة مباشرة، فالأردن يعج بالكفاءات والعقول النيرة والقلوب المخلصة التي تتحفز للعمل من أجل رفعة وعزة هذا الوطن المعطاء، وإنقاذه من غياهب المجهول وبراثن الفوضى.
جامعة الاميرة سمية للعلوم والتكنولوجيا