
رزان جعفر المومني
لا تملك الأرض ترف الانتظار، فالتغير المناخي أصبح أحد أخطر التحديات التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين.
التحولات المناخية المتسارعة لم تعد محصورة في توقعات العلماء أو نماذج المحاكاة، بل تحولت إلى واقع ملموس يطال الأمن الغذائي، الاستقرار البيئي، والأنظمة الاقتصادية حول العالم. تشير التقارير الدولية إلى ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة العالمية خلال العقدين الأخيرين، مدفوعًا بتراكم غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وفي مقدمتها ثاني أكسيد الكربون والميثان.
هذا التراكم ناجم عن الاستخدام الكثيف للوقود الأحفوري في قطاعات الصناعة والنقل، إلى جانب التوسع العمراني غير المنضبط، الذي ساهم في تدمير مساحات شاسعة من الغابات، وتقليص قدرة الأرض على امتصاص الانبعاثات.
التغيرات المناخية باتت تنعكس في موجات حرّ خانقة، جفاف طويل الأمد، أعاصير غير مألوفة في شدّتها، وارتفاع مقلق في مستويات البحار.
هذه الظواهر لا تهدد فقط الأمن البيئي، بل تضرب مباشرة استقرار المجتمعات، خصوصًا في الدول النامية التي تفتقر إلى بنية تحتية قادرة على الصمود أمام الكوارث المناخية المتكررة.
في خضم هذا المشهد القاتم، تبرز الحاجة إلى تحرك دولي منسق يتجاوز الخطابات الدبلوماسية إلى سياسات تنفيذية صارمة.
التحول إلى الطاقة المتجددة لم يعد خيارًا تقنيًا فحسب، بل ضرورة استراتيجية.
الاستثمار في الطاقة الشمسية، الرياح، والهيدروجين الأخضر، بات يشكل ركيزة أساسية لأي خطة مناخية فعالة؛ إلى جانب تطوير أنظمة تخزين الطاقة، وتحسين كفاءتها.
كما تشكل الزراعة المستدامة عنصرًا محوريًا في التكيف المناخي، من خلال تطبيق تقنيات ذكية في إدارة المياه، التربة، والتنوع البيولوجي، وضمان استدامة الإنتاج الزراعي في مواجهة تقلبات المناخ.
أما على المستوى الفردي، فإن تقليل البصمة الكربونية أصبح مسؤولية يومية لا تحتمل التأجيل. ترشيد استهلاك الطاقة، الاعتماد على وسائل النقل النظيفة، والمشاركة في حملات التشجير؛ خطوات بسيطة لكنها مؤثرة في المسار الطويل نحو استعادة التوازن البيئي.
لا شك أن التغير المناخي يعكس أزمة إدارة عالمية، قبل أن يكون نتيجة لعوامل طبيعية.
وبينما تتسابق بعض الدول على الحلول التكنولوجية، يبقى جوهر المواجهة في الإرادة السياسية الجماعية، والقدرة على اتخاذ قرارات حاسمة تضع مصلحة الكوكب فوق المصالح الآنية.
العالم يقف على مفترق طرق، والاستجابة لما يحدث اليوم ستحدد ملامح المستقبل لقرون قادمة.