أ. سعيد ذياب سليم
عادت مدارسنا لتكون كبعض حدائق الورد تملؤها الفراشات ..كبعض آجام عجلون تصدح في جنباتها الطيور مغردة ، تضم ساحاتها أبناءنا القابضين على أحلامهم و معلمينا الشامخة هاماتهم مكللة بالكرامة والعز و الأصالة كجبال رم والسلط و بطاح البادية، ويهتف الجميع عاش الوطن.
ثم لتنطلق العربات تجري بها خيول المعرفة على عجلات التقنية في طريق مهّدها القائد و المعلم و المجتمع نحو المستقبل الذي تشرق فيه شمس الأمل على دنيا من أمن و أمان و وفرة إقتصادية ، لتضع الطالب في موقعه و يبقى للوطن شموخه.
وحتى لا يغرقنا الحب و الامل دعونا نرى ماذا يُوجد في الميدان في ظل ما تطمح به وزارة التربية والتعليم من تطوير ؟ و هل أهدافنا التعليمية التي سرنا عليها والتي وضعتنا في موقعنا هذا بين الأمم بحاجة إلى إعادة نظر أما أنها صالحة لتوفر لنا مخرجات تعليمية مناسبة للقرن الواحد و العشرين؟ ماذا يقول الخبراء؟
التعليم أداة لتطوير الفرد اجتماعيا و عقليا و جسديا وعاطفيا و خلقيا و نفسيا يميز من خلالها بين الخير و الشر و الصح و الخطأ، هل يلخص هذا التعريف أهداف التعليم التي نريد أم أنّا نطمح إلى رفد سوق العمل بحاجته من اليد الفنية العاملة أمام هذه الطوابير من العاطلين عن العمل و الحاملين لدرجات علمية أعدتهم لزمن مضى و انتهى! هل يمكن للأهداف أن تتطور ؟
في كتابها عقل الطفل الصغير” The Toddler Brain ” كتبت د. لورا جانا “ماذا لو أننا نربي أبناءنا لينجحوا في زمن لم يعد له وجودا؟” فإن ما احتجناه في عصر الصناعة يختلف عما نحتاجه في عصر المعلومات لذا يجب تعديل طرق التربية و بالتالي التعليم لبناء عقول أطفالنا ومواءمتها لمهن قد لا نعلم عنها شيئا في المستقبل.
وللقيام بذلك قدمت مجموعة من الطرق للتربية تجاوزت المهارات المتعارف عليها لإثارة الذكاء العاطفي و الفضول و الإبداع لخصتها الكلمات :” أنا ، نحن ، لماذا ؟ الإرادة، ماذا لو؟ ،الحركة والفضول، التكيف أوMe ,We, Why, Will, What if? , wiggle and Wobble “
في الفصل الذي عنونته ” أنا” ناقشت طرق إدارة الذات والتنظيم و السيطرة على الانفعالات ، وفي الفصل “نحن” ناقشت الطرق الضرورية و الفعالة للاتصال بين افراد المجموعة و التعاون و العمل كفريق ، و في فصل “ماذا لو ؟” توظف الخيال و الفضول و الإبداع لفهم العالم الآن و لتصوره كيف سيكون واستكشاف مختلف الإمكانيات. في فصل “التكيف” والذي اختارت كلمة “Wobble” للتعبير عنه ناقشت المهارات التي تسمح بخفة الحركة والقدرة على التكيف و مواجهة الفشل .وهكذا فإن طرق التربية تتغير مع الزمن كما تتغير أماكن و طبيعة العمل. قد يكون هذا ما دفع البعض أن يرى أهمية إلزامية التعليم في رياض الأطفال في سن الخامسة والذي من المتوقع تطبيقه السنة القادمة، لتساهم المدرسة في بناء شخصية الطفل في سن مبكر.
مر عقدين على دخولنا القرن الواحد و العشرين والذي جعلنا ندرك أهمية التعليم في التمكن من المعلومات و المعرفة الرقمية واستخدام التكنولوجيا في المجتمع و بالتالي السماح للطالب من التمكن من عملية التعلم و المشاركة في المناهج الدراسية و توجيه تعليمه الفردي بمرونة ، إن الأميين في القرن الحادي والعشرين لن يكونوا من لا يستطيعون القراءة والكتابة ، بل أولئك الذين لا يستطيعون التعلم ، و اختيار التعليم المناسب وإعادة التعلم.
نحن بحاجة لمنهاج يساعد الطلبة على التواصل مع المجتمع و العالم و مواجهة القضايا المعاصرة و المشكلات البيئية والاقتصادية و الاجتماعية و جعل المدرسة مركز أعصاب يصل بين الطلبة محليا و عالميا فإنهم سيشكلون الساسة و الخبراء في المستقبل ، منهاج يوفر المهارات التي يحتاجها العمل كفريق : التعاون و التواصل اللفظي و الكتابي و استخدام التكنولوجيا والبحث العلمي ، و رؤية المستقبل في أفق جديد مغاير للواقع، والتنبيه على استمرارية التعلّم مدى الحياة سواء كانت ربة البيت أو موظف أو عامل أو المدير التنفيذي لشركة ما ، كل بحاجة للتطوير و تحسين أدائه و تحديث معلوماته.
في السنوات الأخيرة برز مصطلح ” ما بعد الحقيقة” Post-Truth”” ليصف الحالة التي يستخدم فيه الساسة معلومات تبدو حقيقية ظاهريا لإثارة عواطف الناخبين و جرهم لمصلحة رأي ضد آخر، و إذا ما تم اكتشاف ذلك لايطرف السياسي بعينه بل يستبدل كذبة بكذبة و يتشدق بأنه بارع في ممارس فن الكذب.
ما هو دور التعليم في عصر ما بعد الحقيقة الذي كثر فيه الخداع و الذي تفرض فيه محركات البحث على الإنترنت وجهات النظر التي حازت على الاعجاب الأكثر ؟ على المدرسة أن تقدم للطالب الادوات الفكرية التي تساعده في تفكيك الحجج و البحث عن الأدلة خلف كل إدعاء، و الإجابة على السؤال “كيف لنا أن نعرف” و الحذر من الإنحياز عاطفيا لفكرة ضد أخرى.
غدا سيعاون الطلبة معلميهم في صيانة المقاعد و تصويب أوضاع بعض الصفوف، غدا ستمتلئ الساحات بالمعلمين والإداريين الشباب الذين ستزيدهم السنين خبرة ، غدا يجدّ طلابنا في طلب المعرفة فهل سنراهم بعد سنوات في طوابير العاطلين عن العمل أم أننا وفرنا لهم الظروف التي يسيرون فيها بخطى ثابتة في أجواء تعصف بها رياح متقلبة تهب علينا من مختلف أركان المعمورة، كي يصلوا بنجاح. ما أجمل الأحلام لو تحققت ! أ.سعيد ذياب سليم