قصي منير الشويطر باحث دكتوراة – جامعة مؤته منذ عقود وحتى أسابيع قليلة ماضية كانت فكرة التعليم عن بعد مرفوضة جملة وتفصيلا، و تطبيق التعليم عن بعد في جامعاتنا ومدارسنا ومؤسساتنا التعليمية كان من الأشياء التي تعد ضرباً من الخيال والأحلام التي يستحيل تطبيقها في الوقت الحالي، تحت ذريعة عدم توفر البنية التحتية وعدم توفر الإستعداد التام لدى المعلم والمتعلم ومزودي الخدمات التقنية المساندة لإتمام هذا المشروع الوطني بالإضافة لقناعة أصحاب القرار أن التعليم الإلكتروني لا يرتقي لمستوى التعليم التقليدي فيما يتعلق بالنتاجات التعليمية. حتى أن الحديث عن التعليم المدمج أو المتمازج (Blended Learning) والذي هو دمج ما بين التعلم التقليدي واستخدام التكنولوجيا في التعليم كان لا يمكن تطبيقه لنفس الأسباب آنفة الذكر. لقد سبقتنا الكثير من الدول سواء الدول المتقدمة ، أو بعض دول العالم الثالث في التعليم الإلكتروني أو التعليم عن بعد ، ونحن ما زلنا نتمسك بالطرق التقليدية في التعليم والتي لا تتعدى استخدام بعض الإستراتيجيات والأساليب المتنوعة في التدريس عند القلة القليلة. وما أن برزت الأزمة الصحية العالمية كورونا فيروس ((COVID19 حتى بدأ العالم يطرح حلولاً لمشاكل كثيرة ومنها مشكلة التعليم. وهنا بدأ يلمع في أذهان صانعي القرار وراسمي السياسات التعليمية الحل الأول والوحيد لتجنب اختلاط الطلاب والمعلمين والذين يشكلون نسبة كبيرة من المجتمع وهو التوجه نحو التعليم الإلكتروني. وحسب اطلاعي ومتابعتي فإنني أصنف الدول بناء على حل هذه الأزمة إلى أربعة أقسام. القسم الأول: دول لديها البنية التحتية والتجربة المسبقة في هذا المجال وتم تطبيقها بشكل عاجل وفوري دون وجود عقبات فلديها الخبرة والكفاءات التعليمية المدربة والإمكانات المادية ما ساعدها أن تتحول من تعليم إلكتروني جزئي إلى تعليم إلكتروني كلي. القسم الثاني: دول لديها الإمكانات المادية والبنية التحتية وتم تطبيق التعليم الإلكتروني فيها في مجال ضيق فكان من السهل التحول إلى نطاق أوسع مع وجود القليل من العقبات. وهو ما حدث في المملكة العربية السعودية والتي سطرت نجاحاً سريعاً وبارزاً في التحول الإلكتروني. القسم الثالث: دول لم يكن لديها الإمكانات المادية ولا البنية التحتية لهذا التحول الكبير المفاجىء ولكنها نجحت في إدارة الأزمة والتغلب عليها في غضون أيام وهنا لابد لنا أن نتذكر الدور الذي قامت به المملكة الأردنية الهاشمية لحل هذه الأزمة. القسم الرابع: دول ما زالت تتخبط ولا تعلم ماذا تفعل وربما لم تفكر في الحلول بعد أو قد تتجه لتعطيل الطلاب في كل المراحل حتى انتهاء الأزمة. لقد سمعنا بمقولة (بالإرادة تصنع المعجزات) ولكننا رأينا ترجمة هذه العبارة على أرض الواقع في قطاعات كثيرة ومنها القطاع التعليمي في المملكة الأردنية الهاشمية. ففي الوقت الذي تعاني منه الدولة الأردنية من هشاشة في اقتصادها مما أثر على البنية التحتية في قطاعاتها الصحية والتعليمية والخدمية وغيرها، وفي الوقت الذي يجتاح العالم أجمع ، والذي نحن جزء منه ، وباء عالمي لا يفرق بين دول متقدمة أو نامية ، ولم يأخذ اعتباراً للدين ولا للغة ولا للعرق أو الجنس، لمسنا عن قرب الجهود المبذولة من الدولة الأردنية بكافة مكوناتها ، قيادة وحكومة وشعباً ، للوقوف بوجه هذه العاصفة ، وعدم انتظار الموت الحتمي. ولأنني أحد أبناء قطاع التعليم معلماً ومتعلماً فسأتحدث عن التجربة الأردنية في إيجاد الحلول الفورية للإبقاء على قطاع التعليم شامخاً كما عهدناه.
انطلقت وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، ومنذ الشعور بالأزمة الصحية العالمية ، بطرح الحلول والمعالجات اللازمة للتعايش مع الوضع الراهن بكل حكمة واقتدار ، وذلك من خلال حزمة من القرارات والتوجيهات والإجراءات ومنها: ١- إعلانها الفوري عن تعطيل جميع المدارس والجامعات في المملكة الأردنية الهاشمية منوهة أن تعطيل المدارس و الجامعات لا يعني توقف التدريس. ٢- بدأت بحملات توعية للمعلمين والطلاب والمجتمع المحلي تحثهم على استمرار عملية التدريس عن بعد . ٣- بدأ المدرسون وبدافع داخلي شخصي وحرصاً منهم على استمرار عملية التدريس بتشكيل مجموعات عبر شبكات التواصل الإجتماعي للتواصل مع طلابهم. ٣- أعلنت الوزارة فوراً عن توفر شرح للدروس لطلبة التوجيهي من خلال منصات تعليمية يقدمها مدرسون أكفاء. ٤- تم بالأيام الأولى من الأزمة الإعلان عن توفر الشروحات والدروس للمرحلة الثانوية من خلال قنوات التلفزيون الأردني، ثم بعدها بأيام تبعها بعض المراحل الأخرى. ٥-بزمن قياسي وبعد أسبوع تقريباً على بداية الأزمة أعلنت وزارة التربية والتعليم عن إطلاق منظومة التعلم عن بعد ، عبر منصتها الإلكترونية “منصة درسك”. وهي منصة أردنية مجانية للتعلم عن بعد، توفر لطلبة المدارس بجميع المراحل دروسا تعليمية تفاعلية منظمة ،ومجدولة ، وفقا لمنهاج التعليم الأردني. ولم يقل الأمر شأناً في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، فقد وفرت الجامعات منصات تعليمية تفاعلية مختلفة كأحد الحلول البديلة للمحاضرات التقليدية. ولقد لفت انتباهي السباق مع الزمن لإيجاد الحلول وتوفير الخدمات للطلاب من قبل الجامعات والتي نجحت فعلا وبزمن قياسي في توفير الحلول للطلبة في مختلف الجامعات. وقد عشت التجربة بالأمس بنفسي كأحد طلاب مرحلة الدكتوراة في جامعة مؤته ولتسع ساعات متواصلة. ومن خلال المنصة الإلكترونية “مايكروسوفت تيمز” (Microsoft Teams) التي وفرتها جامعتنا الحبيبة وكان لها أكبر الأثر في نفسي ولعلّي الخص لكم تحربتي بما يلي: ١- سرعة استجابة الجامعة بتوفير منصة تعليمية تفاعلية يلتقي من خلالها كل من عضو هيئة التدريس والطالب. ٢- أتاحت المنصة جميع الخدمات اللازمة والتي تغني عن اللقاءات التقليدية وذلك من خلال القدرة على مشاهدة أعضاء هيئة التدريس والطلاب والتفاعل فيما بينهم وإمكانية تقديم العروض التقديمية والمحادثات الصوتية والكتابية. ٣- الكفاءة العالية التي أظهرها أعضاء هيئة التدريس في التعامل مع البرنامج رغم الفترة القصيرة التي تعاملوا فيها مع البرنامج. ٤- حرص أعضاء هيئة التدريس وتشديدهم على حث الطلاب على أن المحاضرات الإلكترونية لا تقل شأناً عن الحضور التقليدي ٥- حرص أعضاء هيئة التدريس على تقديم المادة العلمية بكل يُسر والتأكد من استيعاب الطلاب لها. ٦- أظهر جميع الطلاب والطالبات تفاعلاً ملموساً من خلال النقاشات والعروض التقديمية عبر المنصة. وهنا لا بد أن نشيد بالدور البارز والوعي الملحوظ الذي أظهره الطلاب وأولياء الأمور في التعامل مع معطيات التغيير الجديدة ، وسرعة استجابتهم لهذه التطورات والأهم من ذلك الإلتزام بالتعليمات والإرشادات التي تصدر من الجهات صاحبة الإختصاص. ولكي ننسب الفضل إلى أهله ، وانطلاقاً من الحديث الشريف”من لا يشكر الناس لا يشكر الله” فإنني أتقدم بجزيل الشكر وعظيم الإمتنان لوزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي ممثلة بأصحاب المعالي (الوزراء) وفرق التقنية المساندة ، والمعلمين والمعلمات ، والإداريين والإداريات ، وجميع من ساهم في هذا الإنجاز على ما بذلوه من جهد في فترة وجيزة ، حيث حققوا إنجازاً يخلّده التاريخ في الارتقاء بالعملية التعليمية ومواكبة روح العصر والتقدم في هذا المجال.
وفقنا الله وأياكم وأبعد عن وطننا وعن العالم أجمع الوباء وسيئ الأسقام.