ضيف الله قبيلات
عن عبد لله ابن عباس رضي الله عنهما قال حدثني سلمان الفارسي قال : كنت رجلا فارسيا من أهل ” أصبهان ” من أهل قرية يقال لها ” جَيّ” وكان ابي دهقان قريته فاجتهدت في المجوسية حتى كنت ” قطن النار ” الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة .
و كانت لابي ضيعة أمرني ان اذهب فأطّلعها ، فمررت بكنيسة من كنائس النصاري فدخلت عليهم و رغبت في امرهم و صلاتهم و رأيت انّ هذا خير من الذي نحن فيه ، و سألتهم عن أصل هذا الدين ؟ فقالوا بالشام ، فقلت إذا قدم عليكم ركْب من الشام فأخبروني .
وكان لي ذلك ، فلما قدمت الشام سألت من أفضل أهل هذا الدين ؟ فقالوا الاسقف في الكنيسة فلزمته ، وبعد حين تبين لي انه رجل سوء يأمر اتباعه بالصدقة فيكنزها لنفسه ولا يوزعها على الفقراء حتى مات فأخبرت الناس بخبره و دليتهم على كنزه فلم يدفنوه و رجموه بالحجارة و جاؤا إلى الكنيسة برجلٍ آخر ما رأيت رجلا أفضل منه صلاه و أزهد في الدنيا و أرغب في الاخره فأحببته فلما دنت وفاته قال لي ليس احد على مثل ما انا عليه إلا رجل في الموصل فالحق به ، فلحقت به و بعد مدة قال لي إن انا متّ فالحق براهب ” نصيبين ” فالتحقت به و وجدته على خير كصاحبيه ثم قال لي إن انا متّ فالحق براهب “عموريه ” فانه على مثل ما نحن عليه فالتحقت به ، ثم قال لي إن انا متّ يا سلمان فلا اعلم احدا من الناس على ما نحن عليه غير انه قد اظلنا زمان نبي مبعوث بدين ابراهيم يخرج بأرض العرب مهاجرا إلى ارضٍ بين حرّتين بينهما نخل ، به علامات لا تخفى على أحد يأكل الهديه ولا يأكل الصدقة ، بين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت ان تلحق بتلك البلاد فافعل .
ولما مات راهب ” عموريه ” مكثت ما شاء الله ان امكث حتى جاء ركبْ تجار من قبيلة كلب العربية فقلت لهم تحملوني إلى أرض العرب و اعطيكم بقراتي هذه و غُنيمتي هذه ؟ قالوا نعم ، فأعطيتهم اياها و سرنا حتى إذا صرنا بوادي القرى ظلموني فباعوني لرجل من يهود يثرب ، فلما رأيت النخل رجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ” راهب عموريه ” .
بعث الله رسوله في مكة لكني لا اسمع له بذكر مع ما انا فيه من شُغل الرّق عند هذا اليهودي ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يثرب فوالله اني لفي رأس نخلة لسيدي و سيدي جالس تحتها إذ اقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال : قاتل الله بني قَيلة ، والله انهم لمجتمعون الآن في قباء على رجلٍ قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون انه نبي .
فلما سمعتها اخذتني ” العُرَواء ” حتى ظننت اني ساقط علي سيدي و نزلت مسرعا عن النخلة فقلت لابن عمه : ما تقول ما تقول ؟ فلكمني سيدي لكمة شديدة وقال مالك ولهذا ، ارجع إلى عملك .
و في المساء اخذت شيئا عندي كنت قد جمعته و ذهبت إلى قباء فدخلت عليه و قلت له : بلغني انك رجل صالح ومعك اصحاب لك غرباء ذوو حاجة فهذه لكم صدقة ، فقربها لاصحابه و قال كلوا ولم يأكل منها ، فقلت في نفسي هذه واحدة .
وفي مرة ثانية حملت له شيئا وقد كان قد دخل المدينة فقلت له قد رأيتك لا تأكل الصدقة فهذه هدية ، فأخذها و أكل منها هو و اصحابه فقلت في نفسي هذه الثانية .
وفي يوم آخر رأيته في ” بقيع الغرقد” يتبع جنازة فلما جلس سلمت عليه و استدرت انظر إلى ظهره لعلي آرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي ” راهب عموريه ” فعرف أني استثبت في شيئ قد وُصِف لي ،فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فانكببتُ عليه اقبّله و ابكي ، فقال لي تحوّل فتحولت بين يديه و حدثته بحديثي فقال لي ” كاتِبّ يا سلمان ” فكاتبت سيدي اليهودي على 300 نخلة أُحييها له و 40 أوقيه مقابل عتقي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه ” أعينوا اخاكم ” فأعانوني و تخلصت من الرق ، فكان اول مشهد لي في الاسلام غزوة الخندق ثم لم يفتني معه مشهد .
عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” السُّبّاق اربعة انا سابق العرب و صهيب سابق الروم و سلمان سابق فارس و بلال سابق الحبشة ” ، وعن كُثيربن عبدالله قال قال المهاجرون ” سلمان منا و قالت الانصار سلمان منا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” سلمان منا آل البيت” .
ثم شاء الله تعالى ان يعود سلمان إلى بلاد فارس حين دخلت في الاسلام واليا على المدائن زمن امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه .