الاب رفعت بدر
وسيفعلها البابا فرنسيس ويزور العراق بعد أيام قليلة ولفترة أربعة أيام متتالية. فلماذا العراق؟ ولماذا الآن؟ ولماذا يعتبرها المحللون حلما يتحقق ؟ أعود إلى عام ألفين، عام اليوبيل الكبير حيث وضع البابا يوحنا بولس الثاني خطة للحج المسيحي في ذلك العام الفريد. واختزل المعلومات كلها حول مخطط كبير في وثيقة عنونها: في الحج إلى الأماكن المتعلقة بتاريخ الخلاص. وكانت الخطوط العريضة أن يقوم بتتبع خطى شعب الكتاب المقدس، ليبدأ من أور الكلدانية حيث ابتدأ إيمان إبراهيم أبي المؤمنين، وشكل بداية للإيمان بالله الواحد، ويتبعه حج إلى مصر لينتقل مع موسى إلى الأردن، ويقف على جبل نيبو، ومن موقع المغطس يتحرك إلى بيت لحم والقدس والناصرة. وفي السنة التالية تتبع خُطا الرسل، وبالأخص بولس الرسول، في دمشق، ومنها الى روما وسائر أنحاء العالم.
سار المخطط على ما يُرام، إلاّ في نقطة البداية، فقد كان الحصار الدولي مفروضاً على العراق الشقيق، لذلك قام البابا بالحج الروحي، من خلال إقامة صلاة خاصة من أجل العراق في كنيسة القديس بطرس، في الفاتيكان، مع عرض فيلم وثائقي مصوّر. قال البابا في رسالته المذكورة: انّ أول محطات رحلتي، متعلقة بإبراهيم فهو أبو المؤمنين بالله الواحد بامتياز. وأود الذهاب إلى أور الكلدانية (اليوم تل المقير) في جنوب العراق، حيث بحسب الكتاب المقدس سمع ابراهيم نداء الله تعالى، ليكون أداة في خدمة خطة الخلاص.
وقد جرى الحج «الافتراضي» يوم 23 شباط عام 2000، عشية زيارة البابا إلى مصر. واليوم، وفي عصر اللقاءات «الافتراضية» بسبب جائحة كورونا يتحقق الحلم بزيارة تاريخية يقوم بها البابا فرنسيس إلى العراق الشقيق. وفيها العديد من الفعاليات واللقاءات الرسمية والصلوات مع الشعب العراقي المسيحي الذي بقي على أرضه، متمسّكاً بإيمان الآباء والأجداد. وتعتبر هذه الزيارة الأولى للبابا من بعد أزمة الكورونا التي مع الأسف ما زالت تلقي بظلالها المؤلمة على العراق كما على بلدان الشرق والعالم. إلاّ أن البابا الذي اختار لزيارته عنوان «كلّكم أخوة»، يريد أن يبعث برسالة أمل ورجاء في نفوس الأشقاء في العراق الذين أثقلتهم الحروب على مدار عقود من الزمن، وأوجعهم الارهاب وهجّر – وقتَل – الألوف منهم، كما تؤلمهم أوضاع الاقتصاد المتردي، وظروف الوباء، فضلاً عن العديد من الآفات الاجتماعية.
دعاؤنا إلى المولى أن يتكلل حج البابا بالنجاح، ونحن نعلم مقدار الجهد الذي تتطلبه زيارة كبيرة بهذا الحجم، وقد جرّبنا ذلك أربع مرات في الأردن، ولكنّنا ندرك كذلك مقدار الفرح الذي ينال قلوب الناس وهم يرحّبون بخليفة القديس بطرس ورأس الكنيسة الكاثوليكية.
وهكذا، قبل واحد عشرين عاما، حج البابا افتراضيا، وفي عصر اللقاءات الافتراضية في عام واحد وعشرين، يأتي البابا الى أرض العراق الموسومة بالتاريخ الديني الحافل، وبثقل الحروب وأوزارها، وبات سكانّها بحاجة الى كلمة أمل ورجاء.. وشفاء.