
رمزي الغزوي
كان يمكن لحياتنا أن تظل بسيطة حاجة تجرّك إلى السوق، خطوة تقودك إلى دكان الحي، سلعة تلمسها وتفهم ضرورتها لكن شيئا تغيّر فينا نحن لم نعد نشتري لنأكل، ولا لنعيش، بل لنملأ فراغًا في الداخل لا يسدّه طعام ولا غطاء أصبحنا نستهلك كي نثبت لأنفسنا أننا موجودون، أننا قادرون، أننا نستحق أن نحصل على شيء ما أي شيء.
في اللحظة التي نشعر فيها بالوحدة، نفتح تطبيقا للتسوق في اللحظة التي يخذلنا فيها أحدهم، نبحث عن حقيبة، ساعة، حذاء بلون غريب، وكأن شيئا يقول لنا:- كل شيء تحت السيطرة لا بأس المهم أن نشتري أن نشتري حتى ننسى لماذا أردنا الشراء أصلا.
لم نعد نذهب إلى السوق قط بل صار السوق ينام في جيوبنا يراقبنا، يحللنا، يهمس لنا بما نظنه خيارا الرغبة لم تعد ملكا لنا، لقد صارت مبرمجة وموجّهة، تصنعها خوارزميات تعرفنا أكثر مما نعرف أنفسنا.
نشتري ولا نستخدم نكدّس ثم نشكو من ضيق المساحة نستهلك بلهفة ونرمي بلامبالاة تتراكم الأغراض وتتآكل أرواحنا كل سلعة لم نكن نحتاجها كانت صرخة مكتومة لم نعرف كيف نطلقها كل منتج هو حوار خافت بين نقص داخلي ومحاولة بائسة لملئه بشيء لامع وسريع الزوال.
لكن المسألة لا تنتهي عند عتبة المنزل في كل قميص هناك غابة قُطعت، ماء أُهدر، عامل طحنه خط الإنتاج نحن لا نشتري فقط، بل نصوّت كل يوم لصالح نظام اقتصادي يغتني من فقرنا الداخلي ويكافئنا بمزيد من العروض.
الشراء العشوائي ليس عادة إنه امتداد لأزمة أعمق:- داخلنا، ومجتمعاتنا، وكوكبنا نحن لا نستهلك فقط نحن نُستهلك، وربما نفنى ونحن نضغط على زر “اشترِ الآن”.
والسؤال لم يعد:- ماذا نحتاج بل من سيدفع الثمن نحن الأرض الأجيال القادمة كل هذا والطرود ستستمر في الوصول، مغلّفة ولامعة ومغرية لكن ما الذي سيبقى حين تنتهي كل الموارد وحين لا نجد شيئا جديدا لنشتريه، هل سنضطر حينها لمواجهة أنفسنا .