د. سامي الرشيد
الابتعاد عن الشرذمة والتقسيم العربي
المؤمنون بالقومية العربية لا يزالون يحلمون بتحقيق حلمهم في الوحدة العربية ,كما ان الاسلاميين لم يعارضوا هذا الحلم وذلك خطوة اولى نحو الوحدة الاسلامية ,ويقبله الليبراليون كسوق اوسع من الدولة الوطنية ,ويعتبره الماركسيون مطلبا شعبيا لتحقيق طموحات الطبقة العاملة .
يتجاوز عدد سكان العالم العربي من المحيط الاطلسي حتى الخليج العربي (من المحيط الهادر حتى الخليج الثائر ) ما يقارب ال 400مليون نسمة .
الموارد المائية والمواد الاولية والعمالة المتخصصة وغير المتخصصة متوفرة, وهناك عشرات الدراسات حولها منذ السوق العربية المشتركة في عام 1954التي ظلت حبرا على ورق بعد تأسيس الجامعة العربية عام 1945والتي تزامنت مع انشاء عصبة الامم المتحدة .
لا نزال نتراجع وتفتتنا الدول الكبرى حفاظا على مصالحها وكان ذلك بسبب الانظمة العربية لا بسبب الشعوب .
بالرغم من اتساع الوطن العربي واختلاف مستوياته الاجتماعية والدخول المتدنية من بلد لآخر بين الاكثر غنى والاشد فقرا ,ومع ذلك يعود مشروع الوحدة اليوم اكثر الحاحا ليس لاسباب ايديولوجية فقط بل لاسباب عملية خالصة لدرء مخاطر التجزئة والتفتيت التي ضربت معظم البلدان العربية مثل العراق وسوريا والسودان وليبيا واليمن والصومال ولبنان على الامد القريب وعلى كل المغرب العربي على الامد البعيد .
كما ان الخطر ماثل على الخليج العربي بتركيبة سكانه وطوائفه ومصالحه حنى تصبح اسرائيل اكبر دولة طائفية عرقية في المنطقة ,لتأخذ شرعية جديدة من طبيعة الجغرافيا السياسية التي تعيش بها بدلا من اساطير المعاد وشعب الله المختار التي لم يعد يقبلها احد .
اما في قلب هذا الوطن فقد تناسلت وتكاثرت اقوام واقوام سواء نتيجة التبادل التجاري او نتاجا للتغيير الاداري الذي ينشأ بالتفاهم او التنازع ,وقد كان لتنوع الانتماءات لاسباب سياسية واقتصادية او عرقية تأثير على تاريخ وجغرافية المنطقة عبر العصور المختلفة .
لقد شهدت ارض الحجاز مولدا للشخصية العربية عندما تزوج ابن العراق وابو الانبياء ابراهيم الخليل عليه السلام من الفتاة المصرية هاجر التي ولدت وعاشت طفولتها في احدى قرى محافظة المنيا بصعيد مصر ثم استقرت في الحجاز بمكة بواد غير ذي زرع,وانجبا اسماعيل عليه السلام – حيث ارتسمت بسعي امه بين الصفا والمروة بحثا عن المياه ورؤية ابيه في المنام انه يذبحه – مراسم مقدسة في الديانة الاسلامية عندما اصبح السعي بين الصفا والمروة وذبح الاضحية من شعائر فريضة الحج .
هذه المنطقة موحدة منذ قديم الازمنة ,وعناصر التكامل بها كثيرة في الزراعة على سبيل المثال وهو الاهم لحل مشكلة الغذاء في الوطن العربي واعتماده حتى الآن على الخارج .
المياه متوفرة في السودان والعراق ,اراضي الجزيرة في السودان وما بين النهرين في العراق تكفي لاطعام ضعف الوطن العربي كما ان العمالة المدربة متوفرة .
في الصناعة المعادن متوفرة والطاقة في الخليج متوفرة والاسواق العربية تكفي لاستيعاب كل المنتجات الصناعية .
في السياحة فان اراضي العرب مملوءة بالاثار,في مصر القديمة وبابل وآشوروكنعان واليمن السعيد وسد مأرب والمقدسات المسيحية والاسلامية في القدس ومعظم تاريخ العالم في الوطن العربي الذي يربط القارات الثلاثة معا آسيا واوروبا وافريقيا .
اذا كانت الانظمة القطرية تخشى على نفسها فان التكامل الاقتصادي يفيدها ويقويها ولا يضرها ,كما حصل في الاتحاد الاوروبي او الاتحاد الافريقي او الولايات المتحدة الامريكية وغيرها ….
يلاحظ الهدف من استمرار تقسيم وتفتيت الوطن هو صراعات الدول الكبرى معا ,كما هو الحال في سوريا وقد تدخلت روسيا مباشرة بعد ان ظلت تحارب بالوكالة من خلال بعض المنظمات والدول الاقليمية ويدفع ثمنها السوريون .
الصراع بين امريكا وروسيا على النفط والغاز ومرور الانابيب بالمنطقة حتى تصل للبحر المتوسط ثم التصدير لاوروبا , ومع ذلك فهناك تنسيق وتفاهم بين الدولتين الكبيرتين روسيا وامريكا لتقسيم المنطقة وتفتيتها لتنفيذ مصالحهم المشتركة
لقد كان يربط العرب ايام الدولة العثمانية سكة حديد الحجاز بين الشام والحجاز وسكة حديد فلسطين بين مصر والشام ,لكن يحتاج المغرب العربي سكة حديد المغرب العربي من الدار البيضاء الى بورسعيد وسكة حديد السودان من الاسكندرية الى جوبا .
ان اعيد ربط الدول بعضها ببعض لنقل المنتجات الزراعية والصناعية لقويت المنطقة ولم يعد يجرؤ احد على تفتيتها ,حيث تهب روح التغيير على العالم وحركات الشعوب تلوح في الافق وروح الخمسينات والستينات قد تعود لتهب على الوطن العربي من جديد ,كي تحرره من الاستعمار الجديد وتغلغل الصهيونية وابتلاعها كل فلسطين وتهب هذه المرة بعد ان تعلمت من تجارب الماضي وقدره المستقبلي ,فان تكامل الوطن العربي جزء من مساره التاريخي ومرحلة من تطوره الطويل ,فلا سياسة دون تاريخ ولا تنمية قصيرة دون تخطيط طويل .