د.عمر مقدادي
الأزمة الاقتصادية الأردنية وأفاق المعالجة
تعّد الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة الحالية في الأردن أزمة متفاقمة ومزمنة، مما يتطلب من الجميع التأمل والصبر والإصرار على المعالجة للتحديات الاقتصادية في هذه الأزمة التي تعصف بنا، ففي أزمات سابقة كان الأردن قادرًا في الماضي على الخروج منها أو احتوائها أو تأجيل حلّها بفضل الدعم السخي من الأشقاء، أو النجدة السريعة من الأصدقاء، مع علمنا أن ما كان يصل الأردن من دعم متواصل وهبات متتالية، لم يكن دعمًا ماليًا مجانيًا أو مساعدة اقتصادية خالصة، إذ ظل البعد السياسي فيها واضحًا ومحسوبًا، وكان ما يحصل عليه من مساعدات هو في حقيقته نوعًا من الاعتراف بالدور السياسي الذي ظلت المملكة تلعبه ببراعة في الإقليم، وثمنًا للاعتدال والتوازن الذي اتسمت به السياسة الأردنية منذ إنشاء إمارة شرق الأردن في بدايات القرن الماضي وحتى الآن، وعلى عكس الأزمات التي كانت تواجهها المملكة في الماضي، يشكو الأردن الرسمي بأنه وهو يواجه هذه الأزمات، لا يجد حليفًا موثوقًا في المنطقة، فهناك من يرى أن دور الأردن في الإقليم لم يعد ضروريًا. وأن الاعتدال الأردني طوال العقود الماضية، لم يعد بمقاييس هذه الأيام اعتدالًا، أو لم يعد منسجمًا مع متطلبات المرحلة التي تمر بها المنطقة، ولا مع عدد الطامحين الذين ينافسون الأردن في ذلك ويتبارون في تقديم خدمات مماثلة بشكل أشمل وبفاعلية أكبر، وكذلك فإن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تواجهها المملكة حاليًا لا تجد من ينظر إلى نتائجها الأمنية، ولا من يتحسب إلى عواقبها السياسية، بل لعل هناك من يستعجل تفاعلاتها، وصولًا إلى تغيير الواقع السياسي في المنطقة، وإعادة تشكيل الأدوار فيها وعليه فإن قواعد اللعبة في الأردن تتغير، والرهان على الدعم الخارجي لم يعد مطروحًا ولا ممكنًا، مما يؤكد أهمية الاعتماد على الذات والحلول التي تنسجم مع الحاجات، فالحكومات التي كانت في السابق كانت قادرة على توظيف علاقاتها الإقليمية والدولية لتجاوز الأزمات الداخلية، لكن الحكومة الحالية تجد صعوبة حقيقية في مواجهة استحقاقات الأزمة، وفي احتواء تفاعلاتها السياسية والاجتماعية، ولذلك نجدها تختار الحلول الصعبة المكلفة والمتمثلة بزيادة الضرائب ورفع الدعم عن بعض السلع والخدمات، وهو ما يضعها في مواجهة داخلية خطرة، قد تكون بداية تغيير عميق قد لا يكون الأردن مستعدًا له أو جاهزًا لتحمل تبعاته، فالواضح أن الحلول الترقيعية للأزمات المزمنة، لم تعد كافية، والدولة الأردنية التي كانت تستخدم رصيد علاقاتها الخارجية لمواجهة أزمات الداخل تم استنزافه، حيث أن ما يطلب من الأردن اليوم فد لا ينسجم مع ثوابته أو مواقفه السياسية وخاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وحل الدولتين وقضية القدس والرعاية الهاشمية للمقدسات فيها.
لعل المطلوب في هذه المرحلة ليس معالجة تداعيات الأزمة الاقتصادية وإنما بناء أسس جديدة للتعامل مع التحديات الداخلية والضغوط الخارجية عبر توافق وطني عريض بكل شفافية، يتجاوز الوصفات الجاهزة القائمة على تغيير الحكومات، كما حدث لحكومة الدكتور الملقي وتكليف حكومة الدكتور عمر الرزاز، والعمل بدلًا من ذلك على تشكيل أطر سياسية وحكومية قادرة على تشخيص الأزمة ووضع الحلول الناجعة لحلها، واعتماد برنامج إصلاح اقتصادي شامل، وإن تأخير الإصلاح الاقتصادي سيرتب كلفة عالية وبالتالي تضيع الفرص المتاحة التي لابد من استغلالها وتلافي الكلفة الاجتماعية التي قد تنعكس على المجتمع في حال استمرت مؤشرات الاقتصاد بالتراجع إلى معدلات خطيرة، حيث أن الأزمة الاقتصادية تلقي بظلالها على حياة المواطنين الذين يبحثون بدورهم عن حل يوفر لهم كرامة العيش كما هو العهد بشعبنا الأردني الصابر، فيما يرزحون منذ زمن تحت ضغوط البطالة والضرائب وارتفاع الأسعار بشكل متزايد.
وهنا لابد من التأكيد على ضرورة أن يترافق الإصلاح الاقتصادي بحزمة إجراءات حقيقة لضبط النفقات الحكومية وتنفيذ سياسة تقشف حازمة في نفقات الدولة، وضرورة مكافحة الفساد بكل أشكاله، وعليه فإن المطلوب في المرحلة المقبلة خفض عدد أعضاء مجلس النواب وأعضاء مجلس الأعيان والوزراء، وخفض رواتب مدراء المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية والمؤسسات الحكومية والمستقلة وتوحيد هذه الرواتب ووضع سقف أعلى لها، وتقليص امتيازاتهم من سيارات ومستشارين وهواتف ومعالجة وغيرها، ولابد من دعم بعض الصناعات التحويلية والصناعات الصغيرة والمتوسطة، كما يجب الاعتناء بقطاع الزراعة بشكل كبير ووقف الاعتداء على الأراضي الزراعية، إلى جانب بذل الجهود لإنتاج زراعي يسهم في تحسين الأمن الغذائي، مع تفعيل الشراكة الحقيقية بين القطاع العام والخاص، وتقليص عدد الملحقيات والسفارات الأردنية، وإعادة فرض الضرائب بشكل تصاعدي على البنوك والشركات بعد أن تم تخفيض هذه الضريبة عن البنوك والشركات الكبرى، واستيفاء رسوم بدل إقامة ودخول إلى الأردن من القادمين الذين يبلغ تعدادهم سنويًا مئات ألاف من مختلف الجنسيات الإقليمية وهذا العدد مرشح للزيادة, وأن تطبيق هذا القرار يأتي في إطار المعاملة بالمثل، وفرض رسوم تحت مسمى دعم الوطن على ألاف الأردنيين الذين يعملون في الخارج بشكل عادل، والتخلص من البيروقراطية التي ساهمت في تراجع الاستثمار، مع ضرورة استثمار الثروات المعدنية المدفونة بباطن التراب الأردني لسد احتياجات المملكة من الطاقة وخاصة الصخر الزيتي والغاز والبترول والذهب والنحاس واليورانيوم وغيرها، بالإضافة إلى الابتكار والتفكير بإيجاد حلول مستقبلية تجنب الحكومة اللجوء إلى فرض الضرائب، التي تعمل على زيادة الانكماش الاقتصادي جراء تراجع القوة الشرائية للمواطن.
حمى الله الأردن.