
نور الدويري
يكتسب خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني بمناسبة افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة العشرين بعدًا استراتيجيًا بالغ الأهمية هذه المرة، فالخطاب لم يكن مجرد رسالة سياسية أو اقتصادية داخلية، بل رؤية شاملة تحدد مسار المملكة في مواجهة تحديات إقليمية معقدة، واستثمار الفرص لتعزيز دور المملكة اقليميا ودوليا وتشير لعدة نقاط هامة تحمل في طياتها رسائل استراتجية .
ولابد اولا من تجزئة التحديات ولربما التهديدات المباشرة وغير المباشرة على الأردن بين الأمن الداخلي والتحديات الإقليمية قبل البدء في تحليل خطاب العرش لفهم رسائله وماهية الابعاد الاستراتيجية اذ فرضت الأزمات في المنطقة وعلى راسها غزة مجموعة من التحديات على الأردن وعليه يجب تحليل الوضعين الداخلي والخارجي المحيط في الاردن فاذا بدانا بالقلق الداخلي فهنالك تخوفات من الضغط على الحدود وشكل واليات التعامل معها والازمات المتوقعة وغير المتوقعة التي قد تفرضها الحاله الاقليمية على الاردن بموقعه في خارطة التهاب الشرق الاوسط، اذ ان هذا التحدي يجر معه ضغوطًا إضافية على الخدمات الأساسية في التعليم والصحة والنقل، فضلًا عن المخاوف من تدفق اللاجئين، وهي سيناريوهات لا يمكن فصلها عن السياق الإقليمي الأشمل، إذ تتقاطع التحديات الداخلية مع تحولات إقليمية ودولية معقدة تمس مواقف الدول من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، وان كان الامر مرفوضا قولا واحد في سياسة الملك عبدالله الثاني الا انها لا تزال بعدا سياسيا يكثر النقاش فيه ولاتزال واشنطن تلمح له او تتحدث به صراحة مما قد يضع عبئًا إضافيًا على البنية التحتية التي تحتاج اصلا الى تحديث عام وركائز عديدة ليلمس المراطن تغيرات حقيقه كما اشار الملك، ولابد ان ذلك يثير تحديات اجتماعية من شكل تطور المكون الاجتماعي ، والتي قد يستغلها الكثيرون في التاثير على انماط سلوكية وانساق اجتماعية ذات عناصر دينية واجتماعية محددة تدفع بتاهيل او تميهد الفكر التطرفي و/او ترفع حدة خطاب الكراهية لاسيما ان البيئة الاقليمية المضطربة وفرت ارضيات لجماعات ارهبية، واخرى مهدت لخلق انقسامات وتعددات كما يحدث في الملف السوري اليوم في شماله وجنوبه ، وهو الامر الذي يحتاج خطط امنية مرنه مستمرة وتعامل مع غير المتوقع قبل المتوقع ، من جانب اخر اشار خطاب الملك الى نقاط جوهريه لا يمكن النظر اليها الا بفكر استراتيجي واع مثل نبرته القويه في الحديث عن اللحمة الوطنية التي يشتد بها العضد كاردني وهذا يؤكد انه لا يجب غض البصر عن اي توترات شعبية قد تجر الراي العام حتى لو كانت للقضية الفلسطنية كونها قد تحمل ابعاد تفرقيه فالاعتصام في احد مدن اوروبا لاجل فلسطين او غزة لا يشبه الاعتصام في عمان اذ الاول قد يحمل بعدا انسانيا لكن في الاردن قد يستغل سياسيا وهنا يحتاج الى فهم الغايات والادوات والطرق مما قد يزيد الضغط على الدولة .
ثم الحديث عن التحولات في التحالفات الاقليمية والدولية وهي قدرة الدولة على مواجهة التغيرات في مواقف بعض الدول اتجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وكيف تتعامل الفصائل والمقاومة في الملف السياسي في المنطقة فعلى الرغم من ثبوت موقف الاردن والملك من القضية الفلسطنية وبات يعد الملك من اكثر المتحركين لوقف حرب غزة اذ قدمت عمان العديد من المقترحات والمبادرات الا ان المرحلة تلزم إعادة تقييم موقف الأردن وتحالفاته الإقليمية والدولية.
في هذا السياق، يصبح التنسيق مع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية ضرورة استراتيجية لضمان استباق أي تهديدات وحماية الأمن الوطني وهو الامر الذي اعتقد ان الفلسفة الملكية اليوم التي تدير الدولة ادارت المشهد بتناغم كبير حمى الاردن من انزلاقات كثيرة مرت بالمنطقة، ومع هذا لا زالت تعي وجوب المرونه الاستراتيجية والمناورة الامنية للحفاظ على الاردن ومن هنا يمكن ان ننطلق الى الفرص الاستراتيجية التي يشير لها الملك في خطابه وهي اليات استثمار العلاقات لتعزيز موقع الأردن رغم التحديات، اذ اتاحت الأزمات الإقليمية فرصًا لتثبيت مكانة الأردن منها تعزيز التعاون الدولي من خلال توسيع العلاقات مع الولايات المتحدة ودول الخليج لضمان الدعم السياسي والاقتصادي وجذب الاستثمارات.
ثم ملف الوساطة الإقليمية فقد حقق الاردن فعليا ادوارا استراتجيا في القضايا الفلسطينية ليس لتعزيز دوره القيادي ودوره الدبلوماسي فقط بل كامانه موكله للملك الاردن الذي ما اقتصد جهده هو وعائلته الصغيرة ثم الكبيرة في تحمل وزر القضية الفلسطنية على اساس انها قضية محورية للاردن من كافة الجوانب مؤكدا على اهمية الوصاية الهاشمية، ثم تعزيز التعاون العربي المشترك و تنسيق الجهود مع مصر والسعودية لضمان الاستقرار الحدودي وحماية المصالح المشتركة واعادة تقييم التحالفات الاقليمية .
اظهر خطاب الملك هذه المره قلقا حقيقيا لكنه امتلئ بروح ايجابية قويه حين اكد عن قلقه لكنه يؤمن بالله وبشعبه الذي يراهن عليه وهذه رسالة هامة للداخل والخارج تؤكد ان رغم التحديات والتخوفات التي تحيط بالاردن الا ان هنالك تماسك في الجبهة الداخلية رغم كل شيء رغم التحولات الاجتماعية التي واجهت الاردن لاسيما في العامين الاخيرين تحديدا منذ بدء حرب غزة لذا فقد اشار في خطابة الى ضرورة ان يكون مجلس النواب مجلس عملي يكرس نفسه لخدمة الوطن ويساهم في التحديث السياسي والاستقرار المطلوب للاستمرار في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي التي ربطها اساسا في اليات هامة مثل خلق فرص العمل واكد على ان الاردن لا يملك رفاهية الوقت مطالبا المجلس ان عليه ان يشعر المواطن بالتغير الحقيقي، لكن هل يستطيع مجلس النواب الذي امضى وقته قبل انعقاد الدوره في العراك على مناصب المكتب الدائم بدل الالتفاف حول الدولة والتفكير في ان يحمل كل منهم ملفا يستطيع الركض به في اروقة الحكومة والقطاع الخاص لاجل الوطن والمواطن! اذ ان ملف تنمية الاقتصاد الوطني كان توجيها ملكيا صارما لمجلس النواب فهل سيتلقون الرسالة ، مثلا هل سيأتي تفعيل التعليم وخلق فرص العمل بالتركيز على التدريب المهني ودفعه ليصبح منصة رياية لا فقط تدريبية بما يفتح مجالا اوسع لبناء شراكات بين القطاع العام والخاص او كيفية خلق بنية نقل وخدمات اساسية في المحافظات بقانون ادارة محلية قابل للتطبيق وبتوزيع متوازن وصلاحيات حقيقة وتحت الرقابة تمكن من خلق التغير المأمول .
من جانب اخر يظهر في هذا الخطاب ان الملك وجه خطابا هاما لمجلس النواب من حيث دعوتهم للنظر للقيم العزة والكرامة ولفت الانتباه لقوة الجيش وولاء الاردني لوطنه التي مهما صعبت فيها الازمات يبقون درعا للدوله واصفا اياهم بمصنع رجال الحسين وان ابنه احد هؤلاء الجنود وهذا يثبت ان الملك عبدالله الثاني لا يرى الاردن ارضا مباركه فقط كما وصفها بل شعبا معززا بقواعد صالحه وقيم تعي مسؤوليتها الوطنية وان تفوق الفلسفة الهاشمية التي قضت قرنا تحمي وجودية الاردن يجب ان تستمر بل يقدم سياسة ادارية ثابتة .
اليوم الأردن أمام اختبار استراتيجي يتطلب ذكاءً سياسيًا ودبلوماسيًا عالي المستوى، وقد أثبتت القيادة الأردنية أنها قادرة على تحويل التحديات الإقليمية إلى فرص لتعزيز الاستقرار والريادة الإقليمية فهل يلقى خطاب الملك تنفيذا لتوجيهات .
