
محمد حسن التل
منذ اللحظة الأولى للإعلان المفاجئ بوقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل ، ازدحمت التحليلات والاستنتاجات والتعليقات ، والكثيرون ذهبوا إلى اعتبار ما حدث كله كان متفق عليه لخروج الأطراف المعنية في الأزمة بأقل الخسائر ، وربما يكون هذا واردا لكن ليس بالتفسير السطحي الساذج وأن كل ما يدور بالمنطقة مسرحية هزيلة ، فالأقرب إلى الواقع أن ما حدث خلال الأسبوعين الماضيين حيث إحتدت الأزمة وتعقدت ، فكان لابد من حدث كبير لحلحلة الأمور وفتح طريق أمام كل طرف من أطراف الأزمة لإعادة تموضعه حسب الظرف والخروج بأقل ما يمكن من ماء الوجه .
الرئيس الأمريكي كان يريد من الاشتباك المسلح بين أيران وإسرائيل إيجاد طريق يلج منه لإنهاء أزمة النووي الإيراني وظهوره كرجل سلام ، حيث حسم قراره في اللحظة الصعبة فجاء سكوته أو تغاضيه عن رغبة نتنياهو بضرب إيران كعامل لخدمة خطته نحو تفكيك الأزمة. . منذ اللحظة الأولى لانطلاق المعركة ،أغرق ترامب العالم بتصريحات تشير إلى أن الأزمة بطريقها للحل ، وهو لن يسمح لكافة الأطراف التوغل باستعمال النار ، وثبت أنه كان خلف دخان المعركة مطابخ سياسية تزدحم في المفاوضات ، وتضع الخطط للاستفادة من الموقف المشتعل للوصول إلى تبريد الأزمة التي كانت المعركة أحد نتائجها .
وجاءت الضربة الأمريكية للمواقع النووية الإيرانية بوجهين ، الأول لتمكين الولايات المتحدة من الإعلان أنها أنهت المشروع النووي ، وبالتالي لا داع لاستمرار الصراع حول هذه العقدة ، وإسقاط حجة نتنياهو باستمرار الحرب ، والوجه الثاني للضربة جاء كإنقاذ لنتياهو لأنه لو استمر في الحرب بدون تدخل الولايات المتحدة لتورط كما هو متورط في غزة منذ عامين ، ولدخل في حالة استنزاف طويلة .
أما إيران كان لابد لها من الموافقة على وقف إطلاق النار لأن الموازين العسكرية لم تكن لصالحها أبدا أمام التفوق الإسرائيلي في هذا المجال ، حين أن إسرائيل مستندة إلى دعم لا محدود من حلفائها ، في حين اكتفى حلفاء طهران بالتصريحات الرخوة ولم يكن وقوفهم إلى جانب حليفتهم ذات قيمة على الأرض ، لكن هذا لا ينفي وجود جهود دبلوماسية لصالح إيران وأنهم كانوا حاضرين على خطوط المفاوضات ، ناهيك أن إيران ربما شعرت بأنه لو استمرت الحرب لزمن أطول لأصبح التهديد بإسقاط النظام فيها واقع حقيقي ، وفي هذه النقطة بالذات تقاطعت مصالح طهران وأعدائها ، فبالنسبة للطرف المقابل لم يكن إسقاط النظام الإيراني في اللحظة الراهنة مفيدا خوفا من انفلات الأمور وتصبح إيران بؤرة خطرة في محيطها وخارجه ولا يمكن التنبؤ بما سيحدث..
وبالنسبة للقيادة الإيرانية ربما شعرت أن الموقف دقيق ويجب الإنتباه إلى أن اللاعب الأساسي في الصراع وهو نتنياهو في لحظة ما يستطيع جر حلفائه إلى ما يريد لذلك سارعت هذه القيادة إلى نزع فتيل الأزمة وإرسال الرسائل في كل الاتجاهات بأنها السلام وأنها تريد الجلوس على طاولة المفاوضات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مستفيدة من عقلية الرئيس الأمريكي التي لا تميل إلى حروب طويلة وأنها تقدم مصالحها في الاقتصاد على الصراعات العسكرية ، ناهيك أن الشعب الأمريكي أصبح يقف ضد تورط بلاده في حروب لا فائدة منها ، وهذا ما أظهرته التحركات اللافتة في الشارع الأمريكي الرافضة للحرب وإرسال الجنود الأمريكيين للمجهول كما حدث في العراق وأفغانستان .
التسريبات التي كانت تخرج عن قرب الاتفاق بين إيران وأمريكا قبل التدخل الإسرائيلي وتلكؤ طهران وعنادها بعدم الوصول إلى نهاية الطريق المفتوح إلا بشروطها هو الذي جعلها خسارتها أكثر من ربحها إذا كان الأخير موجود فعلا..