د. سامي الرشيد
اعادة الاعمار في البلدان العربية
ان اعادة اعمار البلدان العربية بعد ان دمرتها الحروب تحتاج لوضع حد لهذا الدمار وهذه الحروب .
لا بد من اطلاق حوارات مكثفة ومشاريع جادة وواقعية حول اعادة اعمار البلاد العربية ,التي تعاني بصورة خاصة من هذه الحروب .
هذه الحوارات والمشاريع قد لا تؤ تي ثمارا سريعة ومباشرة لكن الاهتمام بانضاجها ولو على نطاق الفكر والرؤية يشكل رافدا مهما للمساعي التي تبذل للتوصل الى حلول سياسية للحروب ,والى سلام عربي – عربي مع دول الجوار كتركيا وايران تحديدا .
التطلع الى اعادة الاعمار والبناء ينزع من العقول الفكرة المتشائمة التي تقول انه ليس امامنا الا الانخراط في حروب الابادة حتى ولو استمرت لقرن او اكثر مثل حروب المائة عام بين فرنسا وانجلترا خلال القرنين الثالث والرابع عشر .
نعود بالذاكرة للمشروع الاوروبي الذي ولد كفكرة وكمشروع جاهز للتنفيذ والمتابعة قبل نهاية الحرب العالمية الثانية ,وهو نموذج مهم لمن يرغب الاقتباس منه وتنفيذ مشاريع اعمار للبلدان التي دمرتها الحروب مع مراعاة الاعتبارات التي توافرت في الاوضاع الدولية وهي كما يلي :
اولا : جسامة التحديات التي واجهتها الدول المشتركة في المشروع والداعمة له بعد انتهاء الحرب وخاصة قوة الاتحاد السوفياتي وسيطرته على كل اوروبا الشرقية .
ثانيا : ان دول اوروبا لم تكن تملك مشروعا جاهزا يساهم في اعادة اعمارها ,ولكن متبني المشروع الاوروبي كانوا على يقين من ان تنفيذ مشروعهم الرامي الى تحقيق الكيان الاوروبي الذي يحقق أعلى درجات التضامن والتعاون بين الدول الاوروبية ,سوف يسهل ويسرع تعمير اوروبا وتحويلها الى فضاء سلمي قارئ بالمقارنة كان واضحا لهؤلاء الزعماء ان تجربة اوروبا ما بين الحربين العالميتين التي خلت من مشاريع التقارب والتعاون القارئ الجدي ,لم تفض الى تحقيق الازدهار والاستقرار في اوروبا بدليل تعرض اقتصادها للانهيار في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي ,اي الى الازمة التي اوصلت النازيين الى الحكم .
بمقارنة سريعة بين الواقع الاقتصادي الاوروبي ما بين الحربين وواقع اوروبا الاتحادية ,نجد ان معدل دخل الفرد خلال المرحلة الاخيرة فاق اربعة اضعاف هذا المعدل خلال مرحلة ما بين الحربين .
لما كان الاوروبيون قد حققوا معجزة تاريخية في اعادة اعمار بلادهم بعد ان دمرتها الحرب العالمية مرتين خلال ربع قرن تقريبا ,واذا كان تنفيذ المشروع الاوروبي هو عامل رئيسي في تحقيق هذه المعجزة ,فهل يسع العرب ان يتطلعوا الى تحقيق مثل هذه المعجزة ؟
لقد سبق العرب الاوروبيين الى اقامة منظمتهم الاقليمية ,كما سبقوهم ايضا الى توقيع معاهدة التعاون الاقتصادي ,واسس العرب منطقة التجارة العربية الكبرى ( فانتا ) عام 1997,ألا تشكل هذه المعاهدات والاتفاقيات مجالا مناسبا ومنصة كافية لاطلاق مشاريع اعادة الاعمار والبناء في الدول العربية المنكوبة ؟
ثالثا : لقد تم توفير التمويل لاعادة الاعمار في اوروبا ولكن الدول العربية لم تساهم بشكل كبير في تمويل اعادة الاعمار في الدول العربية المنكوبة .
رابعا :لقد نشأت السوق العربية المشتركة مع العلم ان الاتحاد الاوروبي جاء بعدها والسبب في نجاح اوروبا التزامهم بالديموقراطية لتحقيق الازدهار والاستقرار لبلدانهم .
تجاوز الخلافات العربية – العربية بات امرا ملحا ,اذا اردنا استعادة زخم العروبة في ظل تحديات مشتركة لاتعفي احدا من المواجهة .
انقضى عام 2016 دون ان يتوقف جريان الدم في دجلة والفرات ,فيما لايزال فرقاء اليمن(السعيد) عاجزين عن التوافق ,وما زالت سوريا تئن من وطأة الارهاب ,وليبيا تائهة وهي في احضان ابنائها بعد ان استباحها غيرهم ,وما زال لبنان يتمسك بحبال الاستقرار وشبح الحرب والاحتلال ماثلا أمام اعين نخبه السياسية وبالقرب منه نيران مشتعلة تحرق حلب الشهباء وغيرها ,وما زال العراق يبحث عن استقرار وما زالت مصر تحاول عدم الايقاع بها ,وما زالت دول الخليج العربية تواجه اطماعا ايرانية
وما زالت دول المغرب العربي تبحث عن مصالح مشتركة تنقذها من حالة الانقسام والعزلة ,كما يتجرع السودان مرارة الانقسام لسودانين ,وذاك القضية الفلسطينية تاركة العدو يجني ثمار الاحتلال وينعم بعدم استقرار الجيران .
هذا هو واقع امة العرب فلا ينقذهم الا الاتحاد بعد ان يوقظوا من السبات العميق .
اصدرت صحيفة نيويورك تايمز عددا خاصا تم تكريسه بأكمله لموضوع واحد استغرق جميع صفحات العدد ,الامر الذي يحدث لاول مرة في تاريخ هذه الصحيفة العريقة .
موضوع هذا العدد هو الكارثة التي حلت بالعالم العربي خلال 13 عاما ابتداء من عدوان امريكا وبريطانيا على العراق واحتلاله في عام 2003.
ذلك العدوان لم يدمر نظام حزب البعث العراقي فقط وانما دمر الدولة العراقية باكملها وخلق الظروف الملائمة لولادة المنظمات الارهابية كداعش وغيرها ,وقضى على العالم العربي وحوله الى منطقة ملتهبة ومصدرلازمة لاجئين عالمية كما اعطى اشارة الانطلاق لعصر الارهاب الذي يضرب العالم اليوم ويقض مضاجع البشرية .
تقول الصحيفة ان خسائر الحرب على العراق كانت قتل مليون و455الفاو590شخصا من العراقيين ومن العسكريين الامريكيين 4801جندي وضابط ومن حلفاء العدوان الاخرين 3487عسكريا وتكلفة الحرب على الجميع كانت تريليون و705مليارات و856مليون دولار ,وخسائر الوطن العربي كانت 830مليار دولار .
العرب يحاربون العرب في اليمن ويدمرون البلاد والعرب يحاربون العرب في سوريا ويدمرونها والعرب يحاربون العرب في ليبيا ويدمرونها والعرب يحاربون العرب في العراق ويدمرونها .
الارهابيون يشنون حربهم على الانسانية باسم الاسلام مع ان اكثر من 70% من ضحاياهم مسلمون .
هذا ما كتبه الغرب عنا واعترفوا بالحقيقة المرة .
يلاحظ اننا نسير في طريق الى مجتمع تنغلق مؤسساته على نفسها بدعوى الحصانة تارة والحفاظ على الامن القومي تارة ثانية وبدعوى الحفاظ على وحدة الدولة تارة ثالثة .
ان الحصانة ليست ميزة شخصية وانما هي سياج قانوني لحسن اداء الوظيفة .
هيبة الدولة وامنها من القيم المقدسة ولكن لا يمكن استغلالها للنيل من الحقوق الدستورية للمواطنين وحرياتهم .
للتذكير فان الفكرة النازية معناها اللغوي الاشتراكية القومية ,حيث قامت على الترويج لذوبان الفرد وحقوقه في كيان الدولة المقدس ,فالدولة هي روح الشعب وروح الشعب متجسدة في الزعيم الاوحد .
لقد جاءت المؤسسات التشريعية بأسم الشعب لتدافع عن حقوقه وحرياته ,لكنها تحولت الى سوط على الشعب حيث لا تتوقع من الشعب ان يصمت فطول الصمت يورث القهر وشدة القهر تورث الانفجار .
يظل الاعمار هو الهدف الاول والطريق الامثل لتحقيق تنمية مؤئرة وملموسة في المجتمع ,وتبقى التنمية العمرانية هي الاساس الذي نبني عليه جسورا نعبر بها ما نعانيه من تحديات امنية واقتصادية كبيرة .
ان للقطاع الخاص بمشاركة القطاع العام دور مهم في التنمية العمرانية لتقدم دورها الوطني في سبيل الاصلاح والبناء .
الاعمار مسؤولية الجميع من الحكومة والقطاع الخاص والشعب الذي هو صاحب المصلحة الاساسية من عملية الاصلاح والمعني بالنمو والتنمية ليتوفر له فرص العمل والحياة الكريمة .
الرغبة في الاصلاح وان اشتطت بعض الشئ تنفي سوء القصد ,وحتى يستطيع الكل الوقوف صفا واحدا لأعادة الاعمار فلا بد ايضا من منظمات المجتمع المدني ان تلعب ادوارا متنوعة ولا يقتصر دورها على ما يتصل بالحقوق المدنية والسياسية رغم اهميتها ,فالجوانب ذات الصلة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في عمل تلك المنظمات تتناغم مع اهداف الدول التي تجتهد في الارتقاء بمستويات مواطنيها ومجتمعاتها المحلية التي تمثل في مجموعها المجتمع ككل ,والامثلة على ذلك كثيرة ومتنوعة ويمكن ابراز بعضها حسب الآتي :
1-ألاسهام في جسر الفجوات الثقافية بين المجتمعات المحلية كأثراء للهوية الوطنية .
2-زيادة التواصل والارتقاء بالوعي العام في مختلف القضايا الاساسية .
3-الدفاع عن الفقراء والاضطلاع بأدوار في تحقيق أهداف التنمية المستدامة .
4-أحتضان الابتكارات وتشجيعها في مراحلها المبكرة .
5-العلاقة بين القوانين المحلية والقانون الدولي وأسبقية التطبيق .
أما الاستثمار فانه يتسع لكثير من الانشطة والاعمال فهو لا يقتصر على بعض عوامل الانتاج دون غيرها ,حيث ان غايته المنشودة وفقا لاعتقاد مستقر هي الارتقاء بمستوى المواطن اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا بشكل متناغم ومتزامن وهذا يعكس ايجابا على الاعمار والبناء والتطوير .
هذا لقد انعقدت الدورة 33لمجلس وزراء الاسكان والتعمير العرب في الرياض ,وقالوا انهم اعدوا سياسات ودراسات وأبحاث عديدة وتبني مؤتمرات وندوات علمية متخصصة لأثراء الساحة العلمية ,وآخر هذه الدراسات التي قاموا باعدادها حول اسلوب وادارة وصيانة المجمعات السكنية المشتركة .
قالوا ان من ابرز التعاون العربي المشترك انشاء المركز العربي للوقاية من اخطار الزلازل والكوارث الطبيعية.
كما أرسى المجلس قواعد وآليات التعاون الفعال والمثمر بين دول الوطن العربي ,حيث يتم تبادل الخبرات والتجارب حول المشروعات المنفذة للسكن منخفض التكاليف وتطوير العشوائيات ومن ثم تبادل المعلومات بين الدول العربية حول المشروعات الرائدة في الوطن العربي في مجال الاسكان .
ذكروا انه نتيجة لتعرض بعض الدول العربية للدمار نتيجة للعمليات العسكرية والارهاب ,يفرض ان توضع في قائمة الاولويات منهجيات التعمير واعادة الاعمار واصلاح البنية التحتية والاسكان والتي تعرضت للدمار نتيجة هذه الظروف ,كما يفرض علينا دراسة كيفية التعاون وتبادل الخبرات في هذا المجال الذي سيكون من اهم مجالات العمل في السنوات القادمة .
كما سمحت هذه الآلية بالاطلاع على مختلف التجارب التي نفذتها الدول العربية في هذا المجال ,كما يزكي المجلس التعاون العربي مع التجمعات الاقليمية والمنظمات العربية والاقليمية والدولية والاتحادات العربية ذات الصلة,وبرنامج الامم المتحدة للمستوطنات البشرية .
لقد اثمر هذا التعاون عن الاستراتيجية العربية للاسكان والتنمية الحضرية المستدامة والتي اعتمدت بقرار مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة التي عقدت في موريتانيا في 25-7-2016.
كما ان هناك اجتماع اتحاد المقاولين العرب ليقوموابدورهم باعادة اعمار الدول المنكوبة بعد ان يحصلوا على دعم التمويل والتامين ووضع الخطط والاستراتيجيات للاولويات اللازمة للتطوير والاعمار.