د.حسام العتوم
أكتب عن (الغوطة) الإنسان، وسلة الخير، والمركز الديني، وبوابة دمشق، ونهاية الربيع السوري المجاور الأسود، وعن الإرهاب الغازي لسورية من (80) دولة، وعن ملف عصابات القاعدة من (داعش) و(نصرة) و(جيش الإسلام) و(أحرار الشام) من الفصائل المتمردة، والجيش السوري الحر في المقابل المنادي بالاستقلال.
والغوطة أصبحت تشبه في معركتها الحالية (ستالينغراد) التي شكلت في الحرب الوطنية العظمى (الثانية) 1942 مفصلاً جذرياً لإنهاء الحرب لصالح السوفييت وتسجيل نصر ساحق على حلف أدولف هتلر النازي آنذاك، وهنا في الغوطة ضد إرهاب جبهة (النصرة) وبقايا عصابات (داعش) يحارب النظام السوري، وروسيا وإيران، وحزب الله، وأميركا، وتبقى عقدة (الغوطة) في تواجد الإنسان العربي السوري المسالم الذي تعرض ولا زال للقتل غير المشروع، وللتشرد، وتم ولا زال إيذاء الأطفال والنساء والشيوخ من دون رحمة رغم الهدنة ونداءات مجلس الأمن من وسط الأمم المتحدة. فما الذي يجري؟ وكيف ستنتهي حرب الغوطة هذه؟
النظام السوري يحارب من أجل أن يبقى، وهو صاحب الشرعية في مقارعة الإرهاب، ولا يوجد إنسان بضمير يمكنه أن يسانده في قتل ناسه عشوائياً لا سمح الله، ولا أعتقد بأنه كذلك ويملك هذا الحق، وثمة فرق بين التحرير والتحرر من الإرهاب وزهق الأرواح البريئة بكل تأكيد، ومع هذا وذاك النظام السوري اليوم ليس بعيداً عن سطوة الإعلام والسياسة، وتوجيه الاتهامات له من أطراف عديدة داخلية في سوريا وخارجية من أكثر من صوب وحدب، والغوطة محتاجة للجنة تقصي حقائق نزيهة بعد خمود نيرانها، وحالة من عدم الانسجام السياسي بين دمشق وواشنطن وبالعكس تحدث انعكاسات سلبية إعلامية وسياسية وتدخلات أميركية في الشأن السوري غير واضحة، ويبقى الملف السوري برمته وبعد سنوات قليلة من التجربة الأميركية غير الموفقة أي منذ عام 2015 بيد الفدرالية اروسية صاحبة التجربة الطويلة السوفييتية في الحربين العالميتين الأولى والثانية 1914/1918 و1939/1945، وهي التي دخلت الفضاء السوري من بوابة قلب الطاولة على حراك الحرب الباردة التي لم يجف سعيرها حتى بعد الانهيار السوفييتي، وأرادت أن تثبت لأميركا تحديداً التي ترفض التعاون معها في ضبط ملفات العالم الساخنة رغم رغبة موسكو الدائمة للتعاون والتنسيق لحفظ أمن العالم بأنها موجودة، وهي التي نجحت أي روسيا في لجم عقدة ترسانة السلاح الكيماوي السوري سابقاً عام 2014 بالتعاون مع أميركا ومجلس الأمن، وبقيت أميركا في المقابل تطارد النظام السوري متهمة إياه في استخدام الصناعات الكيماوية المحدودة ضد السوريين وفي أكثر من موقع وحتى الآن في (الغوطة)، كان آخرها حادثة مطار (خان شسيخون) عام 1917 ومن دون لجنة تحقيق عادلة وبعد مماحكات مع سوريا وروسيا على حد سواء استغلالاً لحساسية المواقف المتشابكة ولدرجة الحسد. وأمام الإصرار على إنهاء أزمات الملف السوري بنجاح، ومن أجل ذلك استخدمت روسيا سلاحها الفضائي الدقيق، وإذا ما تجاوزنا أخطاء الحرب السورية بمجملها وعلى مستوى كافة المشاركين فيها نجد بأن العقلية السياسية والدبلوماسية الروسية ليست عدوانية مع الشعب السوري كما يشاع إعلامياً في الشرق والغرب، ومن خلال تجربتها العميقة في مقارعة إرهاب هتلر في الحرب الوطنية الثانية سابقة الذكر هنا، ومن خلال تجربتها في أفغانستان عندما قادت الاتحاد السوفييتي ذهبت إلى سوريا لمقارعة الإرهاب فقط الخارج جزئياً من ديارها وبلاد السوفييت السابقة وبحجم وصل إلى (5000) مقاتل مجنّد، والقادم إلى سوريا من شتى بقاع العالم أيضاً، وهو الموجه استخبارياً وسياسياً وثبتت روسيا في (الغوطة) الهدنة لإخراج المدنيين لكن الإرهاب عمل على إفشالها لتعلو إشاعات تصب في محاصرة روسيا سياسياً وأخلاقياً، وتصويرها على أنها المعتدية والمتطاولة على حياة بسطاء الناس في (الغوضة) الشرقية وخارجها ومنهم الأطفال، فمن حقنا أن يعرف الرأي العام حجم المساعدات الإنسانية الروسية للمواطن السوري حيث بلغت (52) مليون دولار وأكثر خلال الفترة الزمنية السابقة، وتنظيف المدن والبلدات السورية من الألغام، واعتماد على شركات خاصة، وإعادة بناء الآثار التي دمرها الإرهاب في تدمر، وغيرها وفتح المعسكرات للشباب السوري داخل الأراضي الروسية بقصد رعايتهم صحياً ونفسياً، وعلى مستوى التعليم والفرص الدراسية التي تقدمها روسيا لسوريا سنوياً.
يتضح لي بأن حرب الغوطة الشرقية هي ميدان لجبهة النصرة بعد هزيمة (داعش) الساحقة في سوريا على يد صلابة الموقف الروسي في الوصول إلى نقطة النهاية وتحقيق النصر الأكيد لسوريا بمشاركة الجيش العربي السوري نفسه، وهي الهزيمة التي تكررت لداعش في العراق. وإيران، وحزب الله، وأميركا في المقابل على الخط، وتركيا في الشمال، و(الغوطة) بالنسبة لإيران تحديداً هي مقر مقام السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب الذي خطط الإرهاب لاستهدافه، والسيدة زينب بالنسبة لشيعة إيران والعرب هي الحوراء التي لا يجوز أن تسبى مرتين، وعلي بن ابي طالب رضي الله عنه أول ائمتهم، ولها قدسية خاصة عندهم بسبب دورها في معركة كربلاء التي قتل فيها أخوها الحسين بن علي بن أبي طالب، وسوريا كلها لها استراتيجية هامة لدى إيران وسط هلالها الخطير الممتد من (قم) عبر بغداد، ودمشق وبيروت، وعدن، والمنامة، ومكة، والمدينة، والعراق، وأطراف الأكراد. وعلى الأرض في سورية أقوى حضوراً من روسيا ربما، وهي شديدة التعاون مع حزب الله، ومهددة لأمن إسرائيل حسب اعتقاد (تل ابيب) التي تقصف تحركات الحزب وتسجلها على أنها موجهة لسوريا الدولة، وتزوده دائماً بالسلاح إلى جانب سوريا، بينما الأقمار الصناعية الاستخبارية راصدة باستمرار.
وتبقى (الغوطة) هي خط الدفاع الأول عن دمشق ونظامه السياسي، ولذلك روسيا، وإيران، وحزب الله وسط جبهة القتال إلى جانب الجيش السوري، ولا انسجام لهم مع الحراك الأميركي العسكري المتكرر ومن دون إذن رسمية من دمشق، ولقد أضاعت أميركا فرصة البداية في معالجة الأزمة السورية وقت اندلاعها، وأكثر من ذلك كادت أميركا أن تطيح بنظام الأسد على طريقة نظام صدام في العراق، ونظام القذافي في ليبيا، ونظام علي عبدالله صالح في اليمن، ولا أقول حتى على طريقة نظام زين العابدين بن علي في تونس، وروسيا تدفع سوريا صوب الوصول لدستور جديد يرضي كافة الأطراف الوطنية السورية من أجل إيجاد بديل للسلطة الحالية في دمشق بعد المرور بمرحلة انتقالية وعبر صناديق الاقتراع الواجب أن تنعقد تحت مظلة الديمقراطية والرقابة الدولية.
ولحزب الله مصلحة في حرب (الغوطة) ضد إرهاب عصابة جبهة النصرة دفاعاً عن نظام دمشق الحامي لها والحامية له وفق معادلة مشتركة استراتيجية، وهو يتلقى السلاح من إيران، والحماية من دمشق والمعادلة مشتركة بطبيعة الحال، ونظام الأسد في دمشق، مطالب حتى الساعة بإعادة علاقته مع المعارضة الوطنية السورية في الداخل وإشراكهم في السلطة، ويترتب علاقات حسن الجوار مع الأردن ولبنان، وبفتح قنوات الاتصال مع تركيا خاصة بعد عودة العلاقات الروسية التركية وبالعكس إلى سابق عهدها وأفضل على كافة المستويات الدبلوماسية والسياسية واقتصادية والسياحية. وما يجري وجرى في (عفرين) من تصفيات تركية للمقاومة الكردية كان من الممكن تجاوزها بالحوار السياسي بين دمشق وأنقرة. ومن حق سورية أن تدافع عن أكرادها وليس من حق تركيا اعتبارهم إرهابيين ومواصلة إبادتهم وقتلهم جهاراً نهاراً. وتتوسع تجاه (منبج) ونهر الفرات وسط تدخلات أميركية غامضة.
ومعلومات عن عمل عسكري وشيك في (درعا) جنوب سوريا القريبة من الحدود مع الأردن للتوازن مع الحرب الدائرة في الغوطة الشرقية، ولاستبدال جبهة الغوطة بدرعا بهدف اختراق دمشق العاصمة، واختلاط متوقع للعون العسكري الخارجي الروسي والأميركي والإنجليزي.
ندعو الله أن يتعافى الوطن السوري العزيز علينا جميعاً، وأن تذهب دولته للديمقراطية والمشاركة السياسية وحسن الجوار، وليسقط الإرهاب، وليتم اجتثاثه أيديولوجياً من جذوره، وليعم السلام بين سوريا ولبنان من جهة و(إسرائيل) من جهة أخرى بعد عودة كامل (الجولان) و(مزارع وتلال شبعا) المحتلتين، آملين ذات الوقت أن تتراجع إسرائيل ومعها أميركا عن أسرلة القدس الشريف والإبقاء عليها فلسطينية عربية، وأن تنهي احتلالها لفلسطين وتجمد مستوطناتها غير الشرعية، وتفرج عن المعتقلين الفلسطينيين والعرب، ولفتح الطريق أمام بناء دولة فلسطينية كاملة السيادة والعاصمة.