د.حسام العتوم
تصويت 143 دولة عالمية ممثلة في الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 12102022 على إدانة ضم روسيا الاتحادية للأقاليم الأوكرانية السابقة الأربعة (لوجانسك، والدونباس ، وزاباروجا، وخيرسون) توجه ديمقراطي تستحق نتيجته أن تدرس، وهي ظاهرة تتكرر، وحرية موقف، وتشكل رأي الأغلبية ولم يصل لمستوى الرأي الساحق كما أقرأ وأراقب، وعارضت التصويت 5 دول، وامتنعت 35 دولة مثل (الصين، والهند، وجنوب أفريقيا، والباكستان)، وهو الأمر الذي يشبه سابقًا إدانة ضم روسيا لإقليم (القرم) عام 2014 واستخدمت بشأنه (الفيتو) في مجلس الأمن مرتكزة على ورقة الانقلاب الشرعية بالنسبة لموسكو، وفازت بالإقليم الذي غدا لروسيا وإلى الأبد بعد تصويت شعبي ساحق داخله وصل إلى 95 %. فكيف بالإمكان قياس قوة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي لم يتعد كونه رسالة قوية لموسكو تحتاج لتحليل مضمونها تمامًا كما تحدث بيان البيت الأبيض في واشنطن معتبرة دفاعًا عن ميثاق الأمم المتحدة في زمن تمتلك فيه روسيا العظمى والصين الشعبية حق (الفيتو) في مجلس الأمن القادر على إحباط أي قرار غير مقنع لهما تتخذه الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي المقابل حركت روسيا مسألة تحويل التصويت العلني إلى سري وقوبل حراكها برفض مائة دولة وامتناع 58 دولة وعدم مشاركة 24 دولة، وهو التوجه الذي لو نجح وحقق نفس نتيجة تصويت الجمعية العامة لصالح إدانة روسيا في موضوع ضم الأقاليم الأربعة التي صوتت شعبيا أيضا لصالح الضم وبنسب مئوية مرتفعة لكان قرار الجمعية العامة ساحقا وأكثر قوة وتستطيع روسيا إلى جانب الصين وجنوب أفريقيا والباكستان الاستماع له وتفهمه، وأمريكا المتمسكة بقطبها الواحد حتى الساعة رغم إعلان موسكو (بوتين) اندثاره تزامنا مع تحرك العملية العسكرية الروسية التحريرية الاستباقية غير الاحتلالية كما يشاع في غرب أوكرانيا وفي الغرب الأمريكي عمومًا تجاه شرق وجنوب أوكرانيا، ومع سيادة الأقطاب المتعددة سواء كانت كبيرة أم صغيرة، لا زالت قادرة على تجييش دول العالم عبر تأثيرها منقطع النظير ومهاراتها المحترفة في العلاقات العامة، ومن خلال الدعم المالي الوفير واللوجستي والعسكري كذلك على إقناع معظم دول العالم بالاصطفاف إلى جانبها بما في ذلك تسجيل وقفات مشهودة داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومثلما لأمريكا أصدقاء في العالم، لروسيا الاتحادية والصين وجنوب أفريقيا والهند أصدقاء كذلك، وهم كثر وعلى مستوى الكثافة السكانية، وكان بإمكان التصويت السري وكما أرادت روسيا صاحبة القضية والمظلمة إلى جانب شعوب شرق وجنوب أوكرانيا إظهار نتيجة مختلفة في الجمعية العامة تقنع روسيا وحلفها السياسي إن صح التعبير على سلوك الطريق السياسي الأصح.
ومع هذا وذاك هل يعتقد الغرب الأمريكي بأن روسيا الاتحادية المشرفة على عملية ضم خمسة أقاليم كانت تعتبر أوكرانية مثل (القرم، ولوجانسك، وللدونباس ، وزباروجا، وخيرسون) جاهلة في القانون الدولي، وهي تمتلك شخصية رئاسية رزينة مثل فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرجي لافروف؟ وهل روسيا دولة عدائية واحتلالية واستعمارية حقا كما يحلوا لغرب أوكرانيا وللغرب الأمريكي تصويرها عن قصد؟ وماذا عن دور الغرب الحرب الباردة وسباق التسلح، في الاستهداف والاستنزاف لروسيا في رقم تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة المرتفع الذي قادته أمريكا بالذات؟ وإلى أين ستنتهي قضية ضم الأقاليم الأربعة والحرب الروسية – الأوكرانية والغرب أمريكية يا ترى؟ وهل يكمن الحل الناجع في إيقاف الحرب أولا أم في المضي قدما إلى حرب نووية دولية عملاقة تنهي الحضارات والبشرية معا؟ ولقد انقسم العالم إلى أقطاب وإلى جبهتين ولم يعد قطبًا واحدًا رغم تأثير القطب الواحد على معظم دول العالم كما نلاحظ بسبب الإرث التاريخي، ومرحلة الانتقال من أحادية القطب إلى تعدد الاقطاب تحتاج لوقت كاف من الزمن لتفعيله، والحياة مصالح مشتركة، وهكذا هو حال العلاقات بين الدول، ولقاء مرتقب بين الرئسين الروسي بوتين والأمريكي بايدن قريبًا وبوساطة فرنسية يقودها الرئيس ايمانويل ماكرون لوضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية والنتائج التي أسفرت عنها وفي مقدمتها قضية ضم الأقاليم الأربعة وتوجه (كييف) لدخول حلف (الناتو) المعادي لروسيا، وكل ما يتعلق بالتهديد بحرب عالمية ثالثة نووية حالة التطاول من قبل الغرب على سيادة روسيا وليس من طرف غرب أوكرانيا في حربها التقليدية بكل تأكيد، وأي اعتداء على الأراضي الروسية بما في ذلك التي ضمت حديثًا هو اعتداء على سيادة روسيا من منظورها الواجب أخذه بعين الاعتبار، وبطبيعة الحال لم يشهد التاريخ المعاصر ان تطاولت موسكو على أي بلد في العالم بالسلاح النووي الذي اخترعته والسوفييت ليكون رادعًا وليس هجوميًا عام 1949 بعكس الولايات المتحدة الأمريكية التي تسرعت باستخدامه عام 1945 عندما اخترعته ضد اليابان في حادثتي مدينتي (هيروشيما وناكازاكي) والتسبب في مقتل وتشويه أكثر من 200 ألف ياباني.
وبالمناسبة الغرب يعرف مثل روسيا بأن مسألة تحريك السياسية والإعلام اتجاه احتمالية حدوث حرب عالمية ثالثة غير مسؤولة هو مجرد هراء وسراب، ومثلما يمتلك الغرب قوة نووية تمتلك روسيا قوة مماثلة، ولا أريد أن أبالغ هنا أن قلت أكثر، وقنبلة (القيصر) في الشمال الروسي التي تعادل قوة حرارة الشمس إلى درجة كبيرة، والخط الساخن العسكري عامل والاتصالات المتقطعة العسكرية كذلك، وهي ضامنة لأمن واستقرار العالم، وأي تهور من الجانب الغربي من العالم سيضفي إلى نتائج عالمية وخيمة، وروسيا غير معنية ببدء أية حرب نووية ما لم تتعرض سيادتها للخطر خاصة النووي في مقدمته، وكما تقول الشعوب الروسية والسوفيتية أنفسها، والتي هي سلافية المنبت (سلام ضعيف خير من حرب مدمرة)، وفي نهاية المطاف الشعوب هي التي تتضرر من الحروب قبل أنظمتها السياسية، ولا مخرج للعالم من غير التمسك بالحوار والسلام، وتفهم روسيا وقضيتها العادلة في شرق أوكرانيا ومع أوكرانيا، والتاريخ المعاصر قادر على إنصاف روسيا في الملف الأوكراني بمجمله، و (كييف – ويلينسكي) في المقابل وبالتعاون مع الغرب الأمريكي أضاعت فرص الحوار والسلام مع موسكو، ونسجت للأسف مؤامرة مشتركة معها بجهد التيار البنديري والأجهزة اللوجستية الغربية بدلا من أن تواصل البناء على ما تم بناؤه في عهد الرئيس فيكتور يونوكوفيج ومن سبقه من رؤساء أوكرانيا الذين أقاموا علاقات طيبة مع روسيا والعكس صحيح من وسط الخندق التاريخي السوفيتي السابق والروسي الواحد، والآن أصبحت غرب أوكرانيا فريسة للمؤامرة ومعركة المصير، وبدأت بتنفيذ انقلاب دموي عام 2014، وبالتأسيس لقنبلة نووية اكتشفت روسيًّا، ونشر أكثر من 30 مركزًا بيولوجيًا مضرًا بسلامة الشعوب الروسية والسوفيتية السابقة المجاورة خارج احترام الجيرة والحدود المجاورة، والتجديف تجاه حلف (الناتو)، وهو الأمر الذي وصفه ألكسندر فينييكتوف نائب أمين مجلس الأمن الروسية حديثًا بأنه خطوة صوب حرب عالمية ثالثة، وزج للغرب كامل في الحرب الأوكرانية الدائرة، وهو الذي يحصل اليوم عبر مساعدات عسكرية حديثة متواصلة للعاصمة (كييف) ومالية ميليارية كذلك، وهي التي بدأت تتعرض لعقوبات صاروخية وعبر طائرات خاصة مسيرة من خلال قصفها والمدن المجاورة من قبل روسيا بهدف إخماد نيران الحرب والتطاول على الأراضي الروسية وبنيتها التحتية وناسها وسيادة روسيا في المناطق التي تم ضمها منذ فترة وجيزة…