عماد الدين حسين… صوتٌ يضع الأسئلة في مكانها
في زمنٍ تتسابق فيه الأصوات لتملأ الفضاء قبل أن تنضج الأفكار، يظهر بعض الصحافيين الذين يضعون الفكرة قبل الصوت. ومن بين هؤلاء، يبرز عماد الدين حسين ككاتب يعرف أنّ طريقه ليس في الصخب، بل في الدقّة. لغته لا ترتفع كي تُسمع، بل تتقدّم بثقة لأنّ ما فيها يستحق الإصغاء. إنّه من القلائل الذين أدركوا أنّ دور الصحافي ليس أن يملأ الفضاء بالكلمات، بل أن يمنح القارئ سؤالًا يصلح أن يُبنى عليه فهمٌ جديد.
تبدو مقالاته وكأنها رحلة هادئة داخل مشهدٍ مضطرب؛ يبدأها بجمع الخيوط المتفرّقة، ثم يعيد ترتيبها بعقلية تحترم الوقائع قبل الانطباعات. لا يعجّل بالاستنتاجات ولا ينساق خلف المزاج العام، بل يسعى إلى رسم الصورة كاملة، كأنّه يذكّر القارئ بأن التسرّع يضيّع المعنى، وأن الفكرة تحتاج إلى قدرٍ من الصبر لتتكشّف.
يمتلك حسًّا تحليليًا يجمع بين الواقعية والهدوء. لا يذهب مباشرة إلى النهايات، بل يمرّ على التفاصيل التي يصعب أن يلتفت إليها غيره. وعندما يعلن رأيه، يفعله بوضوح، لكن من دون حِدّة أو استعراض. هذا الأسلوب جعل حضوره الصحافي أشبه بمرجعٍ يمكن الرجوع إليه لإعادة قراءة الأحداث في ضوء عقلاني، بعيدًا عن النزعات الانفعالية التي تملأ المشهد.
ويحافظ على مسافةٍ ذكية بينه وبين القارئ: لا يُدلّله بالعاطفة ولا يصطدم به لمجرّد التميّز. إنّه يكتب من موقع المسؤولية، ويؤمن بأن الصحافة ليست مسرحًا للتجريب، بل مساحة للصدق والتوازن. لذلك يشعر قارئه أنّه أمام خطابٍ يحترم ذكاءه، ويمنحه أدوات للتفكير لا شعارات للاستهلاك.
هذا الاتزان في الرؤية، وهذا الإصرار على ترتيب الأسئلة في مكانها الصحيح، هو ما منح عماد الدين حسين مكانته. مكانة لا تُقاس بعدد الضجيج الذي يصنعه، بل بقدر ما يضيفه للنقاش العام من وضوح. ومع كل مقال جديد، يرسّخ فكرة بسيطة وعميقة: أن الكلمة حين تُستخدم بوعي، تصبح قوة هادئة قادرة على تغيير طريقة النظر إلى الأشياء.
إن حضور عماد الدين حسين ليس مجرد أثر في الصحافة، بل دعوة للتفكير الواعي والملاحظة الدقيقة. في عالم يضج بالأصوات والمعلومات، يذكّرنا بأن التمعّن في التفاصيل، والصبر على الفكرة قبل الحكم عليها، هو ما يجعل القراءة تجربة تُثري العقل وتفتح آفاق الفهم .
الإعلامية مايا إبراهيم












