إنجاز-يشكّل القطاع الرياضي في الأردن أحد القطاعات الاستراتيجية الواعدة التي لم تُستثمر بعد بما يتناسب مع أهميتها الاقتصادية والاجتماعية. فعلى الرغم من الشعبية الواسعة التي تحظى بها الرياضة، ولا سيما كرة القدم، ووجود قاعدة جماهيرية كبيرة قادرة على خلق طلب مستدام، ما يزال إسهام القطاع الرياضي في الاقتصاد الوطني محدودًا مقارنة بتجارب إقليمية ودولية نجحت في تحويل الرياضة إلى صناعة متكاملة تسهم في الناتج المحلي الإجمالي، وتولّد فرص عمل، وتستقطب استثمارات محلية وأجنبية. وفي ظل التحولات العالمية، لم تعد الرياضة نشاطًا ترفيهيًا فقط، بل أصبحت صناعة قائمة على سلاسل قيمة اقتصادية واستثمارية، ما يستدعي إدماج مفهوم الصناعة الرياضية ضمن السياسات العامة بوصفه رافعة تنموية واقتصادية مستدامة.
ويواجه الاقتصاد الرياضي في الأردن تحديًا جوهريًا يتمثل في النمط التقليدي لإدارة الأندية الرياضية، حيث تعتمد معظمها على أساليب شبه تطوعية، وموارد محدودة، ودعم حكومي غير مستقر. هذا النموذج لا ينسجم مع متطلبات السوق الرياضي الحديث، ولا يتيح التخطيط طويل الأمد أو تحقيق الاستدامة المالية. ومن هنا، تبرز الحاجة إلى إعادة هيكلة الأندية وتحويلها إلى كيانات احترافية، عبر إشراك القطاع الخاص والشركات الاستثمارية، وتطبيق مبادئ الحوكمة والشفافية، بما يعزز الثقة ويجذب رؤوس الأموال.
كما يُعد تطوير البنية التحتية الرياضية ركيزة أساسية لبناء اقتصاد رياضي قوي. فالملاعب والمنشآت الرياضية تمثّل الأساس لأي نشاط استثماري، إلا أن العديد منها لا يزال يفتقر إلى المعايير الدولية وهذا ما أشار له العديد من مدربي المنتخب الوطني. وفي هذا السياق، يبرز الدور المهم للبلديات بالتعاون مع وزارة الشباب في التخطيط وإنشاء ملاعب حديثة داخل المحليات، بما يضمن عدالة التوزيع الجغرافي، ويوسّع قاعدة الممارسة الرياضية، ويسهم في اكتشاف المواهب وصناعتها رياضياً لما لذلك من اسهام في بناء اقتصاد رياضي قوي، علاوة عن دورها في تعزيز التنمية المحلية وتحسين المظهر الجمالي.
وكما لا بد من النظر إلى أن احتراف اللاعبين وتطوير الأندية يحتل موقعًا محوريًا في معادلة العائد الاقتصادي، إذ يمثّل اللاعبون رأس المال الحقيقي للقطاع. ويتطلب تعظيم هذا العائد تبنّي سياسات واضحة لتطوير المواهب، وإنشاء أكاديميات احترافية، وتنظيم عقود عادلة تحفظ حقوق جميع الأطراف. كما أن تمكين اللاعبين من الاحتراف الخارجي يرفع القيمة السوقية للأندية والدوري المحلي.
ولا يكتمل بناء الاقتصاد الرياضي دون إعادة النظر في الأطر تشريعية بما يواكب التطور الرياضي، واعتماد أدوات الاقتصاد الرقمي والتسويق الرياضي وحقوق البث الحديثة وتجودي الخدمات الرياضية الساندة وهنا يقع على عاتق اتحاد كرة القدم الأردنية دورٌ محوري يتمثل في قيادة هذا التحول من خلال تحديث الأنظمة والتعليمات الناظمة لعمل الأندية، وتحفيز الاستثمار الرياضي، وبناء شراكات استراتيجية مع القطاع الخاص، وتطوير منظومة احترافية مستدامة تعزز الحوكمة والشفافية، وتُمكّن كرة القدم من التحول إلى صناعة اقتصادية قادرة على توليد الإيرادات وفرص العمل، والمساهمة الفاعلة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية.
بالتالي، فإن طرح الاقتصاد الرياضي وتبنيه بجدية على طاولة السياسات العامة يُعد خطوة أساسية لتحويل الرياضة في الأردن إلى قطاع اقتصادي منتج ومورد مالي جديد ورافعة حقيقية للتنمية، لا مجرد نشاط ترفيهي محدود الأثر.
